في السنوات الاخيرة, تزايدت عدد الابحاث والدراسات التي تتناول مراحل نمو الدماغ, واصبح هناك تقنية حديثة- تصوير الخلايا العصبية بالرنين المغناطيسي- تساهم في اعطاء تصور دقيق لفهم كيف ينمو الدماغ وكيف ان البيئة-التجارب والخبرات التي مررنا بها في مراحل نمونا المبكرة- تؤثر في بناء الدماغ وبالتالي يكون التعاطي العقلي انعكاسا حقيقيا لما يدور في البيئة, أي ان البيئة هي التي تشكل اساسيات سلوكنا وطريقة تفكيرنا وتفاعلاتنا العاطفية. يشير ايمون ماكروري من جامعة لندن, أن تعزيز تفاعلية ملامح الخوف البايولوجية البارزة مثل الغضب, ربما هذا يعني ان "الغضب" قد يكون بمثابة استجابة تكيفية لهؤلاء الاطفال على المدى القصير, في محاولة للهروب من الخطر مؤقتا, او لحماية انفسهم شر ما يمكن ان يحدث لهم. ويوضح انه ومع ذلك، فإنه قد يشكل أيضا احد عوامل الخطر الكامن في العصب الحيوي ما يؤدي الى زيادة تعرضهم لمشاكل تتعلق بالصحة العقلية في وقت لاحق، وخاصة القلق.ولذا فان اسائة او تعنيف الاطفال, تعتبر من اهم العوامل البيئية الخطيرة المولدة للقلق والاكتئاب. ويؤكد ماكروري, أن استجابة ادمغة الأطفال الذين تعرضوا للعنف في منازلهم تختلف حينما عرضت عليهم مشاهد وجيه حزينة او غاضبة, فعندما تعرض امامهم وجوه غاضبة, فان الاطفال الذين لهم تاريخا سيئا مع التعنيف, لوحظ انه يظهر لديهم ازدياد نشاط "الانسولا" الامامية في الدماغ واللوزتين وفي المناطق المعنية بكشف التهديد وتوقع الالم. إحدى القضايا التي تم دراستها بشكل مكثف, كانت تتمحور حول اثر "الايذاء او التعنيف والاهمال" على نمو الدماغ, خاصة اثناء مرحلتي الرضاعة والطفولة. معظم هذه الابحاث تقدم شروحات "بيلوجيه" تتفق مع الكثير من الفرضيات والنظريات التي طرحت من قبل علماء النفس حول دافعية او محرك السلوك, والعاطفة. و العلماء الان يوضحون, ان لديهم ادلة علمية دامغة تفيد بتغير مسار عمل الدماغ نتيجة الايذاء الجسدي والحرمان التي يمر بها الطفل في السنوات الاولى المبكرة من حياته. في هذا المبحث المختصر سوف استعرض اهم ما توصل له العلماء حول هذه المرحلة واثر البيئة "التنشئة" على نمو الدماغ بعد الولادة مباشرة الى سن المراهقة. وأوضح شنكوف وفيلبس 2000: "ان ما تعلمناه الان حول طريقة نمو الدماغ قد ساعدنا كثيرا في فهم الدور الذي تلعبه "الجينات الوراثية" و"البيئة" في نمونا, ويبد ان الجينات تعدنا او تهيئنا للنمو بطرق معينة, لكن تجاربنا وخبراتنا المعرفية و بما تحويه من تفاعلات مع المحيطين بنا, لها تأثير كبير على كيفية التعبير عن هذه الاستعدادات الجينية وعلى دعم وتطوير الكثير من القدرات الكامنة او تلك التي تمنحها لنا مليارات الخلايا العصبية في ادمغتنا. في الواقع, ان الابحاث الان ان تشير الى ان العديد من القدرات التي كان يعتقد انها ثابتة عند الولادة, ليست كذلك بل انها تعتمد على سلسلة من التجارب والخبرات اليومية بالاشتراك مع الجينات الوراثية. فكلا "الجينات الوراثية والبيئة" عوامل ضرورية مكملة لبعضهما لتحقيق نمو مثالي للدماغ البشري ". وفي نفس الدراسة يؤكدان, "ان دماغ الطفل ينمو ويتطور حسب تفاعله مع البيئة ويتعلم كيف يعمل فيها..فالطفل حينما يبكي يتم تحضير الطعام او الاقتراب منه ليشعر بالاطمئنان, وهذه تقوي المسار العصبي الذي بدوره يساعده في الحصول على متطلباته الفسيولوجية والعاطفية. لكن الاطفال الذين لا يجدون استجابة لبكائهم, او الاطفال الذين يواجه بكائهم بالضرب والجزر, فانهم يتعلمون دروسا سلبية مختلفة, فالمسار العصبي الذي نمى وتقوى تحت ظروف سيئة, فانه يعد الاطفال ليصبح بمقدورهم التكيف فقط مع هذه البيئة السلبية, وبهذا ربما تكون قدراتهم على الاستجابة للتوجيه والتعلم ضعيفة, بالأضافة الى انهم لن يتحلوا بدماثة الاخلاق والطيبة في تعاملهم مع الاخرين" (شنكوف و فيلبس 2000). د. سالم موسى جامعة الملك خالد