لا زال الرئيس المصري محمد مرسي يجاهد نفسه بين شدٍ وجذب تتلاطمه مقتضيات الكياسة واستحقاقات السياسة منذ توليه منصب رئيس الجمهورية... فهذا الشيخ الذي ينطلق من مبادئ وثوابت عقائدية تُلزمه السير بمنهج إسلامي محسوب وثوابت دينية لا يستطيع الخروج عليها، بدء في صدام مباشر مع إستحقاقات سياسيّة تترتب عليها مصالح الدولة العليا...أول هذه الإستحقاقات العلاقة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية التي يبلغ مجموع ما تقدّمه من مساعدات لمصر مليار وثلث المليار سنوياً، هذا الرقم يشكّل ورقة سياسيّة تُرتّب ثمناً لا يستطيع الرئيس مرسي المجازفه بدفعه خصوصاً في بدايات حكمه، وفي المقابل فإن ثمن الخروج على منهج العمل والثوابت التي يفرضها اللون السياسي الذي أوصل مرسي للرئاسة بجناحيه الإخوان والسلفيين - بعد صفقة فرضتها الظروف- يُشكّل ثمناً باهضاً أيضاً. قد يتفهّمُ الإخوان إستحقاقات السياسة ويستوعبوها نظراً لمرونة المنهج الإخواني لكن المصيبة في السلفيين الذين يعتبرون المرونة نوعاً من أنواع الكفر ولا يقبلون بها على الإطلاق، وهم من يلجأون دائماً الى العنف والتصعيد إنطلاقاً من منهجهم المتشدد، أمّا مرسي فهو مجبرٌ على إستيعابهم وإرضائهم الى حدٍ ما، إمتثالاً لمقتضيات الكياسة مع الحليف التي فرضتها المعادلة السياسية المصرية. ويبرز الإمتحان الفعلي لمرسي في ظل المعطيات السابقة في التعاطي مع تداعيات الفيلم الذي تناول شخصيّة رسول البشرية محمد صلى الله عليه وسلّم، الذي لن اصفه كما وصفه الكثيرون (وأقصد الفيلم)، فالرسول الأعظم أعز وأرفع من أن يمسّه حاقدٌ أو متطرفٌ أو شيطانٌ بشري، بل أن هذا الفيلم قد حقّر وسفّه من أنتجه وأخرجه وشاركه به وتغاضى عن إنتشاره. فهل سيستطيع مرسي أن يوفّق بين مقتضيات الكياسة مع السلفيين واستحقاقات السياسة مع الأمريكيين في ظل جو مشحون تترجمه المظاهرات المحمومه أمام السفارة الأمريكية التي بدأت تُزعج الأمريكيين وتقضُّ مضجعهم؟؟ هذا ما نتمنّاه ونرجوه. 1