"وعليه فان علينا أن نفتح العيون ونمتنع عن الموقف الرسمي من الاحداث في الدول العربية. فموقفنا ستستغله المحافل المعادية لصرف الانتباه عن المشاكل الداخلية العسيرة في اتجاه اسرائيل كريهة نفوسهم. وبالتوازي، علينا أن نحاول البحث والعثور عن محافل معتدلة نحافظ معها على الاستقرار الجغرافي السياسي الاقليمي". بهذه العبارة ختم الكاتب تسفي غباي (سفير ونائب مدير عام وزارة الخارجية الاسرائيلية سابقاً)مقالته المعنونة ب الطغاة تجاهلوا صناع الربيع العربي والتي نشرها في صحيفة معاريف بتاريخ 26/12/2011. وقد بدء الكاتب مقالته بوصف عام 2011 كعام للمفاجئات الكبرى في الشرق الاوسط واستطرد في عرض تلك المفاجئات والتي بدأها التونسيون برفع علم الثورة ضد الفساد ثم المصريون ثم اليمنيون ثم الليبيون ثم السوريون ويستنتج الكاتب ان تلك الثورات قد كشفت فوراق عميقة في مزايا الشعوب وطبيعة الحكام وسلوك الجيوش ( وهذا استنتاج موفق). ويعرض الكاتب ابرز نتائج تلك الثورات وهي سقوط الانظمة وتنحيها ..تقديم مبارك للمحاكمة كأحد افراد الشعب...انتخابات مصرية نزيهة اسفرت عن شتاء اسلامي بنسبة 75% من اصوات الناخبين في الجولتين الاولى والثانية وما تبقى تقاسمه الليبراليين العلمانيين والذين كانوا المبادرين في الثورة ...ويعزو الكاتب انتصار المحافل الاسلامية في الانتخابات التونسية والمصرية وسيطرتهم في ليبيا الى اتساع نفوذهم الشعبي في ظل حكم الطغيان اضافة الى مشاريعهم الاجتماعية و الخيرية وهذان العنصران شكلا خليطاً مظفرا (كما وصفه) في معادلة الانتخابات وما بعد الثورات. ثم يتسائل الكاتب عن العنصر الذي تسبب في قيام الثورات (وهذا هو بيت القصيد والغاية المرجوة من سلسلة مقالات الربيع العربي بعيون اسرائيلية) فيرى الكاتب بلا ادنى شك ان المثقفين العرب من كتّاب وشعراء وادباء قد زرعوا بذور هذه الثورات على مدى سنين خلت وذلك من خلال كتاباتهم الناقدة والتي عكست الواقع المرير للشعوب العربية مثّلته سياسات القمع والاضطهاد للحريات والتفكير وحرية التعبير ورفضهم لهذا الواقع ولسياسة استغلال الحكام لقضية فلسطين كذريعة لبسط سيطرتهم على شعوبهم بلا ضوابط...ويعزز الكاتب نظريته بمثال يذكر فيه عبارةً للمفكر ادونيس في 3/3/2011 دعا فيها الثوار العرب الى المطالبة اولا وقبل كل شيئ بإلغاء الرقابة على الفكر والحياة والحرية فهي الاساس لكل بني البشر. ويعود الكاتب مجدداً الى مصر( فمصر تهم الاسرائيليين وتمس صميم امنهم القومي) ليقيّم اوضاعها والتي وصفها ب ان النار هذه الايام عادت الى مصر والسبب هو الاحباط الذي يعيشه شباب مصر والذين كانوا السبب في الاطاحة بنظام مبارك الا انهم لم يقطفوا من ثمار الثورة الا الفتات فنتائج الانتخابات كشفت ضعفهم العددي والشعبي وعليه فيفترض الكاتب مواصلتهم لرفض هذا الواقع الذي اسفرت عنه الانتخابات. ويخلص الكاتب الى نتيجة هامة وواقعية الى حد كبير مفادها ان الشرق الاوسط ليس مكانا للسُذّج فالدول التي اقيمت بشكل مصطنع على يد الدول العظمى في النصف الاول من القرن الماضي وسيطر عليها طغاة مطلقون (كما وصفهم) واداروا انظمة حكم ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب ...لم تستطع الشعوب العربية الانسجام معها ومسايرتها...فظهر انسجام الشعوب وتناغمها عندما حُل لجام الحكم عنها وتحطمت قيوده مع المحافل الاسلامية وسلمتها زمام حكمها. قد اكون متفقاً مع هذا الكاتب في كل ما قاله حول اسباب قيام الثورات العربية والتي لم تكن وليدة لحظة معينة بل انها نتيجة تركمات وظروف كثيرة كان ابرزها ظلم الانظمة لشعوبها وحالة الانكار والرفض للواقع الذي فرضته تلك الانظمة بحجج خبيثة انبثقت عن حجة رئيسية وهي اتخاذ تحرير فلسطين كذريعة لتبرير سياساتها التي لم تكن لها غاية سوى تعزيز حكمها واشباع نهم السلطة لدى الحكام. هذا بالإضافة الى أن مقاس الدول الذي فصّلته اتفاقية سايكس –بيكو وزرع انظمة عميلة للغرب لم يكن متلائما ومنسجما مع مقاس الشعوب العربية. الا انني اختلف مع الكاتب حول قصور نظريته ورؤيته لنتائج تلك الثورات وفحواها أن المقاس الملائم للشعوب العربية هو المحافل الاسلامية والتي اعتمد فيها على فوز الاسلاميين في الانتخابات التشريعية وسيطرتهم على مفاصل العملية السياسية...وجوهر الاختلاف ان اسباب فوز الاسلاميين واكتساحهم للساحة السياسية هي 1- الجاهزية السياسية والتنظيم الحزبي لتلك الجماعات. 2- حالة العداء التقليدي بينها وبين الانظمة البائدة. 3- إن حالة الفوضى والخوف التي يفرضها الفراغ السياسي توجه بوصلة المواطن الى الجماعات الاكثر تنظيما. 4- ان الخوف من المجهول دائما يقرّب الانسان الى الروحانية والعقائدية. اذن...فالاتجاه الى تأييد الاسلاميين اقرب ما يكون الى حالة نفسية عاطفية وليست نهجا سياسيا لدى المواطن العربي...وقد فهم الاسلاميون هذه الظروف وبدئوا بالتعامل معها وليس ادل من التغييرات التي احدثوها على برامجهم السياسية والتي تتجه الى التناغم والانسياب مع متطلبات الشارع العربي وموجة الحرية الفكرية والعقائدية واستحقاقات السياسة الدولية..فالاخوان المسلمون في مصر والذين كانوا في السابق يرفضون اتفاقية كامب ديفيد اصبحوا اكثر مرونة حيالها...وكذلك الامر بالنسبة للاسلاميين في تونس والذين يؤكدون على ان حزب النهضة يدعم مشروع الدولة المدنية والنظام الجمهوري وهذا ما جاء على لسان السيد نور الدين البحيري الناطق الرسمي باسم حزب النهضة في تونس والذي جاءت تصريحاته عقب تصريح للسيد حمادي الجبالي الامين العام لحزب النهضة الاسلامي بتونس الذ اشار فيه الى الخلافة السادسة...وعليه فإن سيطرة الاسلاميين في هذه المرحلة لا تعدو ان تكون فرصة فرضتها الظروف وهم يحاولون استغلالها فإما ان يحسنوا وينجحوا وإما ان يسيئوا ويفشلوا ..وفي كلتا الحالتين الحكم للشارع العربي والذي كسر القيود واصبح له القول الفصل...ختم الكاتب مقالته بنبرة قلق ماذا ينتظرنا في العام 2012؟الايام ستروي....واختم انا بحمد الله وشكره في السراء والضراء ..اللهم نسألك خير هذه الصحوة وندرء بجلال عرشك من شرورها ....ولنا لقاء بإذن الله. 1