إن الفتى من قال كان أبي رحل بعد أربعين عاما قضاها إماما للجامع وخطيبا للجمع والأعياد في ديحمة رحل بعد أن قضى عمره كله يرفض أن يأخذ من الزكاة شيئا ( فلم يقبل أن يقبض من الضمان أو يتخذ بيتا جديدا له في الإسكان الخيري ) برغم الفرص والعروض التي أعطيت له قائلا : أنا لا أستحقها ولا تجوز لي بل حرام عليّ لأنها للفقراء والمحتاجين . قبل رحيله بشهر قبض على ساعد أخي صالح(بقوته المعهودة عنه ) بعد خروجنا من الجامع في إحدى الصلوات التي أمنّا فيها وعندما وصل إلى البيت قال لصالح : سامحني أنت مسافر للرياض وقد لا أراك بعد اليوم الذي تسافر فيه. قبل رحيله بأيام قال لي : المكان ( الفلاني ) في المقبرة ضع قبري فيه وأستحلفك بالله أن لا يدخل جسدي ثلاجة الموتى وغسلوني في داري كنت أظن أنه يعاني من ( فوبياء الموت) ولاتنوح علي النساء ومن أرادت فلتصل علي في البيت قبل أن تذهبوا بجنازتي. قبل رحيله بأيام : قال لي ولجميع أفراد أسرتنا سامحوني فقد قرب الرحيل وكنا نظنها الفوبيا فهو الصحيح الذي لا يعاني مرضا وعندما سألت والدتي عن سبب ترديده لذلك الكلام قالت : لقد رأى رؤيا أنه بنى بيتا كالقصر واسع الغرف ذو بلاط أبيض بعدها قلت له هي أضغاث أحلام قال بل رؤيا وسترى حقيقتها . مرت الأيام كالبرق وكل شي صار كما خطط له وقال عنه كل شي القبر والثلاجة والأكفان والفاجعة لم أعرف حكمته ولم أقدرها إلا بعد رحيله وتستمر الأيام القادمة بتفسير ما أخفيته عن الجميع رحمك الله يا أبي فقد فقدك جميع أهل مركز السهي وأهل ديحمة على وجه الخصوص كما فقدناك نحن وبكوا عليك مثل بكاءنا . وقد كذب الشاعر عندما لم يقل ( إن الفتى من قال كان أبي) خاتمة : أقسم بالله العظيم أن كل شي قلته قد صار كما كتبته لكم رحمك الله يا أبي كم كنت عظيما