لوم النفس إذا حادت عن جادة الصواب , نزعة إيمانية , تتضاد مع الإمعان في استباحة حدود النزعة الإنسانية السوية التي جُبِلَت فطرياً على معرفة كينونة الخطأ منذ تبلور الفكرة في اقتراف السلوك الخارق للفطرة إلى رسم الخطط ووضع البدائل والاحتياطات لإتمام وإحكام عناصر الفعل ؛ حسب ميول الفرد ونزعاته المكتسبة, ومن الطبيعي أن تجد من يعد العدة للقفز فوق القيم الدينية والعادات والتقاليد والأعراف يعيش صراعًا مضنياً ويعيش على وهم يراه يقيناً بأن ماسيقوم به لن يتم العلم به من محيطه القريب أو ممن يقومون بالحفاظ على أمن البشر وبسط القانون و لكنه يظن بالوقت نفسه أنه من الذكاء والحيطة مايجعل كشفه بأي مرحلة من مراحل الفعل النشاز ضئيلاً بل قد تمتد به نزعات غروره إلى استحالة إعاقته قبل تنقيذ بغيته ويرسم له هامشاً من الحذر لايرقَ به إلى أخذه بالحسبان من أن يُستدل عليه بعد فعلته , ولكن عندما يقع بيد العدالة تنسدل أمامه خارطة من الإجراءات التي أحكمها فإذا به بصل لحقيقة أنه بشر معرض لخطأ لم يرَهُ بمقياسه القاصر أنه خطأ بل ضرورة لجأ إليها ليرتقي السلالم دفعة واحدة وبخطوة واحدة, ونسي بل غفل أنه إنسان معرض للنسيان. كل تلك الخصال تجدها في المغرور , والمتعالي, والأحمق , والساذَج , والذي يظن أنه هو العالم والمهندس والطبيب , والمعلم ,واللاعب والمخطط الاستراتيجي , والعالم النفسي, والفلكي, وخبير التدليك, والفيلسوف, والكاتب , والمؤلف , والخبير الزراعي , وغيرهم مالايتسع المجال لسردهم. كل واحد من هؤلاء وغيرهم, لهم محددات فإن تجاوزوها لسواها وقعوا بحبائل العُجب والافتتان بالنفس. من يظن أنه لايخطئ فهو جاهل, ومن يظن أنه لايقترب من الصوابية بتاتاً فهو مهزوم نفسياً ويفتقد للثقة بالنفس, ولذلك أصل بكم لماتعانيه مجتمعاتنا من جلد من يقترف خطأ أياً كان . فالمسلم أياً كان سلوكه ونزعاته طبعاً غير مايصل به لحد الكُفر والعياذ بالله, فالمسلم معرض لارتكاب الكبائر واقتراف المعاصي والآثام , وتعاطي المحرمات مع يقينه وإيمانه بحرمتها فذاك أفضل وأجل ممن يستبيح المحرمات ولايعدُها إلا حق إنساني فهو حر يفعل مايشاء دون قيود أوضوابط . ذات مساء سمعت رجلاً يعترف بقرارة نفسه أنه مقصر في كثير من التكليفات بل يقترف مالم يحلله الشارع , سمعته وهو يقول لأحد جيرانه لو جاء ابنك وإبن فلان لاخترت الآخر بدلاً عن ابنك لأزوجه ابنتي , فاحتد جاره مغاضباً ولمَ مالفرق ؟ قال له: ابنك يتعاطى كذا وكذا وعدد له مالايُحِب أن يسمعه عن ابنه , فباشره قائلا: أو نسيت نفسك وأنت أيضاً كما إبني , قال : نعم كلينا على خطأ لكن ذلك الفتى أفضل مني ومن إبنك وأنت أفضل مني , لكن للحق أقول : لن أرميَ ابنتي لتصبح كما أمها التي تعاني الأمرين مني وتعلم أن نساء الأمس صبورات لاكما بنات اليوم قصيرات نفس , وأولاد اليوم لايعرفون للمداراة سبيلاً , فضحك جاره وقال الاتستحي أن تقول عن نفسك هذا الردح من جلد الذات , فرد عليه بحزم وثقة : وهل وجدتني كذبت الآن أو بأي وقت مضى , قال : كلا وهاأنت أمامي لم ولن أغمطك حقك. عجبت من إصراره على رفض ابن جاره لو تقدم لابنته الوحيدة وطربت لتفضيله الوجه الآخر الذي يمثل مرآة السلوك السوي, فالرجل لايعترف بصوابية سلوكه ويبدو عاجزاً عن الأوبة لجميل الفعال والحَسَنِ من الخصال, وبنفس الوقت كانت فلذة كَبِدهِ أسمى من أن تكن صورة مكررة تعاني مماتعاني منه أمها ..... حدث مالم يكن بخَلَدِ هما والد البنت الوحيدة وابن جاره, أن أقسم ابن جاره الايتزوج البنت سواه مهما كلفه الأمر, فرد عليه والده : مالأمر هل ؟ فرد الابن :ليست هل التي تراودك , أتمنى عليك اقطع شكي حول مابعد هل . فرد والده .. هل ستكون كمايريد جارنا ؟ قال وأكثر, فرد والد البنت : ولكن ابنتي قد لاتوافق لماتسمعه عنك , فانسحب والد الفتى إلى داره مع أذان المغرب , فتوضأ وانطلق للمسجد , فإذا به يجد الفتى ابنه وقد سبقه للمسجد فلم يعقب حتى قضيت الصلاة , وعاد لمنزله في حالة من الذهول , وانتظر ابنه حتى حتى عاد , وتناولا طعام العَشاء , فإذا بابنه يخف وينهض ليتوضأ ليذهب مبكراً للمسجد لصلاة العشاء حتى قبل أن يؤذن لصلاة العشاء , وقام برفع النداءكان ذلك متاحاً , قبل أن يُعين مؤذنون للمساجد هم موكلون فقط برفع النداء حتى لو تأخر عن الوقت المحدد !, فكان أن حضرإمام المسجد "المتطوع"وليس الموظف, وقام بشكره ودعا له بالثواب, في وقت كان والد البنت في جلسة تحقيق مع ابنته حول معرفة ماالذي حدا بابن جاره ليقسم بالله الايتزوجك غيره , هل بينكم شيء لاأعرفه ؟ ماوجدت غيره ليكون زوج المستقبل وهو فيه كيت وكيت وأخذ يسرد كماً هائلا من المعايب والمكاره حتى وصل لقوله: إنه فاسق .. فردت عليه ياوالدي الناس بالمسجد وأنت تحقق معي في أمور لايصح أن تترسخ لديك إنها من وساوس الشيطان , هل سألت نفسك ماذا ستقول لربك عندما يسألك وأنت مع احترامي لك لاتجب داعي النداء للصلاة ؟, ماذا ستقول له يوم الحساب وأنت تغتاب مسلماً ؟ من ناحيتي سأدعوالله أن يسامحك وسأستغفر لك , فانصرف لايلوي على شيئ, وبنفسه ألم مماسمعه من ابنته الوحيده وليس وساوس حولها , أن عرف قصوره نحو خالقه , فشرع ليتوضأ وهو بحالة تردد هل يصلي بالبيت أم يذهب لأول مرة بحياته للمسجد لأنه لم يعتد الصلاة بالمسجد إلا نادراً وربما حصرياً يوم الجمعة, ولكنه اختار الذهاب للمسجد فوجده وقد انصرف جموع المصلين عدا مصلٍ واحد واقف يناجي ربه بصوت يُسمع عن قرب . فأقام الصلاة وأدى فريضة العشاء وركعتي السنة الراتبة , فلما انتهى وقفل راجعاً والفتى لايزال واقفاً, فجلس خارج المسجد وانتظر ليتأكد هل هذا الفتى هو ابن جارهم لأنه لم يصدق عينيه أن يكون ابن جاره هو الفتى الواقف يناجي ربه وقد خلا المسجد إلا منه ,وماهي إلا دقائق حتى خرج الفتى بعد أن أقفل ابواب المسجد ووجد جارهم متسمراً ويدييه مطبقتان على رأسه وهو يتمتم هذا معقول هذا معقول ... فبادره الفتى السلام عليكم نعم معقول , هذا انا الذي أدركت نفسي بفضل الله ثم بفضلك , فرد عليه قائلاً : تهزأ بي ؟ قال الفتى : معاذ الله , أنسيت ماقلته لوالدي أنك لن تزوج ابنتك بفتى على شاكلتي ,,,, أنا لم أكن كافراً بل كنت مقصراً لاأدخل المسجد إلا لماماً فاقترفت معاصِ لاتصل بي للكفر بل هو الشيطان وقد تغلبت عليه وعُدتُ لجادة الصواب وأسأل الله أن يجنبني الفواحش ماظهر منها وما بطن,فرد الرجل نعم - أنت - لأنك أقسمت بالله الايتزوج ابنتي سواك وطفقت لتمثل هذه المسرحية لهذا الغرض لاغير. فَدُهِشَ الفتى وقال له :أحسن الظن, ولكن لاأخفيك أن كلامك عن تأففك أن تزوج ابنتك مني كان أحد الأسباب الذي أدركت معها أنني بالفعل مقصر بغض النظر عما حدثتك به نفسك, ولعلمك أنني لن أتزوجها مادمت أنت على نهجك وظنونك , فرد عليه : والله ياولدي لقد استصغرت نفسي أمامك وأمامها, فقال الفتى: ومن هي؟ قال :ابنتي ؛ ومالي ومالها, قال: لقد شككت في أمركما عندما أقسمت أنت ألايتزوجها غيرك بأن بينكما شيئاً يخفى علي, وهي من أدخلت نور اليقين إلي ودفعتني لأن أقطع حديثي معها وأذهب للصلاة بالمسجد ولكن للأسف منفرداً, فرد عليه الفتى: لقد كسبت خطوات المشي للمسجد, وأردف والد البنت - هذه المرة سأقسم أنا الايتزوج ابنتي سواك , فرد الفتى ولكن لابد أن تسألها عندما أتقدم لخطبتها أنا ووالدي , فرد عليه الفتى أتعلم بماذا كنت أدعوالله ؟ قال: لا, قال الفتى : أدعو لك بالهداية والقبول كما كنت أنت السبب في هدايتي بعد الله, قال له الرجل : وأنا سأدعو لابنتي التي كانت السبب في التغير الذي أحسُ به من لحظة سمعت كلامها الذي أخذ طريقه مباشرة لقلبي وعرفت أنني ظلمتها بأنها على علاقة بك , أنا ياولدي سأدعو الله أن يجزيها أجر هدايتي وأنت يابُنيَ اصفح عني بماقلته عنك على مسمع منها , في الوقت الذي كنت أنت تدعو لي الله. اعلم أنني أرحب بك وقت ما تشاء فابنتي لن تجدَ أفضل منك.