أنا من طرف فلان.. كلمة سحرية تفتح لك الأبواب وتسهّل لك الصعاب.. هل ينكر أحد هذا؟ إن الواسطة والمحسوبية تعبر عن واقع مؤلم , الرضا به يعتبر قناعة من نوع حقير كونه أكثر أنواع الفساد شيوعا بالأوساط الإدارية وهما الأشهر ويمكن أن تلغي حقا أو تحق باطلا، ولهذا تعتبر فسادا يعاقب عليه القانون، لأنه اعتداء على حق الآخرين وعلى أسس العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص. وبالتالي، فإن آثار هذا الفساد لابد وأن ينعكس على المواطن، فيفقد ثقته بالمؤسسات الحكومية وبأجهزة الدولة المختلفة، كما تضعف القيم الأخلاقية وتأخر التنمية داخل المجتمعات. وقد تنتشر الجريمة نتيجة لشعور المواطن بالحقد والكراهية لغياب أسس العدالة وهذا مالمسناه في الآونة الأخيرة من كثرة الاعتداءات على عدد من المدراء والموظفين بمختلف الإدارات الحكومية في كافة أرجاء الوطن نتيجة الاختيارات الغير مناسبة لقياديين غير مؤهلين شاءت الأقدار ونصبوا لخدمة الناس وهم لايملكون القدرة حتى على حل مشاكلهم الشخصية. إن الدور الرقابي موجود، ولكن هناك تساهلا في التطبيق فكثير من الجهات الرقابية هي أصلا بحاجة إلى رقابة، فنظرة مجتمعنا بأن العمل الذي توفره الدولة واجب عليها هو السبب الرئيسي لتزايد بؤر الفساد، بالإضافة إلى أن الكثيرين ممن لم يحصلوا على قسط وافر من التعليم وصلوا إلى مناصب إدارية وهم لا يستطيعون تطبيق اللوائح والقوانين ؛ لأنهم يخشون مواجهة الوعي فنادرا ما تجدهم في مكاتبهم لخدمة المواطنين والعذر مقبول فلديهم أعمال ميدانية إشرافية وهذه حجة الحاج دائما، فضلا عن التوظيف الغير ممنهج لكثير من الإدارات الحكومية لمن في أيديهم صلاحية التوظيف ولا يعتبرون ديوان الخدمة المدنية مرجعية لهم مما جعل الأرض ممهدة لهذا الفساد الذي يرتكب في حق الدولة، أيضا من يتساهلون في تطبيق الرقابة الكاملة يجعلون من حولهم يعتقدون أنهم طيبين وكما يقول المثل ( على نياتهم ) وهذا مخالف للتوجهات . لأن عدم تطبيق الموظف لمهام وظيفته يداري به عيبا في شخصيته الإدارية، ما يساعد الآخرين على تمييع الأنظمة دون الاكتراث بالعقوبات الجزائية ، وهذا الأسلوب غير المنطقي يؤدي في الكثير من الأحيان إلى حدوث أخطاء كارثية ومحاولة تأجيل مشاريع حيوية لكي يحصل المدير على رضا من حوله ويصبح في نظرهم البطل المنتظر، من هنا يجب تغيير مفهوم الوظيفة لدى البعض والاستعانة بالأكاديميين والخريجين ومن يتمتعون بالشخصية القيادية الحقيقية لاعتلاء المناصب الكبرى بغض النظر عن أعمارهم والترتيب في السلم الوظيفي وأن يكون الإنتقاء بتشكيل لجان تقيم الوضع, حتى لو كان المراد من تكليفهم لرئاسة وحدة صغيرة كوحدة أمن السلامة ؛ لأن هناك من يقبعون خلف كراس صدئة عاف عليها الزمن , يرفضون سياسة التغيير , مقاومون لمسيرة التطوير . والبحث عن دوام بلا دوام، وعدم الإنتاجية والكسل تجعلنا من أقل الشعوب المنتجة في العالم وبمتوسط عمل يومي متدني.. فالإدارات الآن هي من تقدم الخدمة والرقيب في الوقت نفسه، فالرقابة ذاتية بتلك الإدارات تراقب نفسها ونحن نعرف كثيرا عندما يراقب الإنسان نفسه لن يكون رقيباً جيد , ولكن أن تمت الخصخصة بعد عمر طويل، فإن الإدارات ستكون بمنزلة الأجهزة الرقابية على الأنشطة التي سيتم تخصيصها إن شاء الله. إن الوساطة موجودة في كل زمان ومكان ولا يمكن أن تخلو دولة حرة أو متقدمة منها ولكن الفرق في درجاتها وتفاوتها بين دولة وأخرى. ومن أبرز سلبيات الواسطة أنها تتسبب بترهل الجهاز الإداري وعدم تطبيق القانون، وبالتالي فإن تأثيرها يكون مؤلما وضاراً وفتاكاً بين أفراد المجتمع ، فمن لا واسطة لديه تتعطل أعماله وتتوقف حياته، مما يولد الشعور بالحقد واتساع الهوة بين فئات المجتمع . من جهة أخرى، تسببت الواسطة بظهور نوع من الحقد الطبقي، لأنها تقسّم المجتمع إلى فئات وطبقات بينها فوارق كبيرة جدا، ما يؤدي بدوره إلى ضعف القيم الأخلاقية وانتشار الحقد والكراهية والجرائم وإضعاف سيادة القانون وتأخير التنمية السياسية وعرقلة التقدم. عندما يشعر الفرد بأن كفاءته وخبرته غير مجدية إنْ لم يكن لديه (واسطة)، فلاشك أن عطاءه وولاءه سيتدنيان. إن نجاح أي إدارة يعتمد على الكيفية التي تجذب ، تجند ، تحفز ، وتحتفظ بالقوة العاملة لديها. وأنها بحاجة إلى أن تكون أكثر مرونة بحيث تطور القوى العاملة لديها وتوسع مداركهم والتزاماتهم الوظيفية. وبالتالي ، يتعين عليها الاهتمام بالموظفين ذو الكفاءات الجيدة . الذين يستطيعون الموازنة في تقديم الخدمة بكل يسر وسهولة ليجنبوا الإدارة داء الواسطة وتتساوى القدرات البشرية دون المفاخرة والتسليم بالقول لا عليك الواسطة في الجيب. د.علاء الدين حمد صغير حكمي