الفكر أو العقل كالجسم ينمو ويزداد عندما يتحرك ويموت وينتهي عندما يتوقف عند محطة معينة . وبالتالي فإن التعبير يعني أن ينطلق المرء بعقله ليطرح رأيه ولكنه سيكون وفق السائد خاصة في المجتمعات التقليدية ، لقد ساهم غياب التفكير بشكل سليم في ظهور أزمة فكرية نتيجة لظروف معينة تقمع كل رأي مخالف أو طرح جديد قبل أن تتم مناقشته بهدوء وعقلانية خاصة مع الطرح الذي يتعلق ببعض الجوانب الشرعية إذا ما اقتنعنا أن ميدان الدين كغيره من الميادين يعتمد في تطوره ونهضته على إعمال العقل وإطلاق التفكر والتأمل والمشاهدة والاستنتاج . وفيما يبدو فإن كل أزمة فكرية ستقودنا إلى أزمة فكرية أخرى . كل ذلك بسبب الانبهار بشخصيات يصل بها إلى درجة التقديس جعلت لدى الآخرين رهبة داخلية لا يستطيع معها المرء تقديم رأيه حتى وإن كان يؤيد في قرارة نفسه بعض ما يستجد على الساحة من أفكار تطويرية . ليس آخر هذه الأطروحات ما ذهبت إليه وزارة التربية والتعليم من إقرارها تدريسَ طلاب وطالبات المرحلة الابتدائية بصفوفها الثلاثة المبكرة بمدرسة واحدة وبفصول مستقلة على أيدي معلمات ربما هن الأجدر والأمهر في التعامل مع الطفولة . عندما نقول بأن : المرأة نصف المجتمع فإن ذلك يعني أيضاً أنها نصف قوة العمل إذا ما استثنينا قانون الشك والنظرة الدونية . بالتزامن مع تعميم الوزارة الأخير جاء الرأي الديني هذه المرة غريباً من نوعه . ربما لعدم تعودنا على الجرأة في الطرح أو لغرابة هذا الرأي ، جاء بفتوى ستشكل أسلوباً جديداً في ترويع النساء من نظرة المجتمع لهن وكذلك لزرع الخوف في قلوب الرجال على نسائهن من هذه الأفكار . فلم نكن بحاجة إلى إثارة مثل هذا الموضوع الذي سيؤدي إلى مزيد من الخلافات . ففتوى إرضاع المرأة للرجل الكبير ستساهم وبشكل غير مباشر في تكوين فكر مضاد سيعمق الجراح ويزيد من حجم الأصوات التي تدعو إلى بتر نصف المجتمع . وفي اعتقادي فإن فتوى العبيكان ليست إلا ردة فعل لقرار الوزارة ، فإن كانت المؤشرات الأولية تشير إلى الرحمة فإن البعد الخامس يحتمل العذاب . ولذلك قد يساهم هذا الرأي بالضغط قليلاً على القرار السياسي . ولهذا لم تكن هناك حاجة ملحة لمثل هذه الآراء رغم وجودها ضمن كتب الموروثات الفكرية سوى إثارة الناس للمساهمة في التأثير على اتخاذ القرارات التطويرية حتى وإن كانت الفتوى متضامنة مع ظاهرة التجديد والتحديث المتمثل بإقناع الناس بقبول الرأي الآخر . بقلم / صالح بن إسماعيل القيسي الرياض [email protected]