فلا تخلو المجتمعات الإنسانية ، في كل زمان ومكان؛ من (القطط السمان) البشرية، أصحاب النفوس الوضيعة ، والعقول المنحرفة، والأيادي السفلية؛ التي تعمل على اختلاس ثرواتها ، والسرقة من خيراتها، وهي تحتال لأجل ذلك؛ بطرق خفية، ووسائل مخفية. \" امسك لي واقطع لك ، واقطع لي وامسك لك \" ؛ فلسفة معتمدة لدى اللصوص في بعض القطاعات العاملة، وهي تقوم على السطو النظامي ، بالقفز على الضوابط، والعبث بالبنود المالية، تحت غطاءات نظامية: مناقصات ، مشتريات ،انتدابات ، خارج دوام..... لهم في المشاريع عند ترسيتها ومتابعتها واستلامها؛ نصيبهم المطلوب ، وفي أيديهم مشاريع مفصلة على مقاولين أو موردين معينين، لا يمكن أن يقوم بها غيرهم، ولديهم مقاولات من الباطن، وعقود ملفقة، ومشاريع صورية، ومازالت حيلهم في النهب والسلب كثيرة، فلهم مداخل لأجل ذلك، ومخارج في سبيل ذلك. لا يخرج التصريح ، ولا يتم الاعتماد؛ إلا بمبلغ وقدره، ولا يعتمد الصرف، ولا تختم المستخلصات؛ إلا بنسبة محددة، وما كان ثمنه عند الشراء بخمسة ريال ، وضعوه على أمر الصرف بخمسمائة ريال، ثم تقسيم المعلوم بالطريقة المتفق عليها. إن مافيا المال العام أينما كانوا؛ لهم ضروس قوية، وفي أيديهم سلطة وسطوة، وهم يقفون على أرضية قوية، وتحت برج الحماية، يحتالون في ليلهم ونهارهم ؛ على الظفر بغنائم المنصب، وضرعه الحلوب. بدأ اليوم إعلامنا؛ يكشف لمتابعيه عن بعض المفاسد الكبيرة، والتجاوزات الخطيرة في بعض الدوائر والقطاعات ، ومن ذلك: فضيحة التهريب من 19 شركة ومؤسسة سعودية لمنتجات بترولية من الساحل الغربي إلى خارج البلاد ، واستئجار مبان لمقار حكومية في بعض مناطق المملكة دون الاستفادة منها، ومطالبة مسؤول إدارته الحكومية بالسداد عنه، نظير قيامه بالنزول في فندق بجوار المسجد النبوي طيلة شهر رمضان المبارك،....... إن السرقة لا تنمو في أي مجتمع؛ إلا إذا توفرت لها البيئة المناسبة ، والأجواء المطلوبة؛ فالفساد كالبيضة التي إذا وجدت الدفء والحماية ؛ فإنها تخرج لنا كاسراً بمنقار ومخالب. واللصوص أيها الفضلاء: لا أمانة عندهم، ولا ذمة لديهم؛ فهم يسرقون المجتمع بأسره، ينهبون ثرواته، ويسلبون خيراته، ويؤخرون تقدمه، وبسببهم تزداد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وتضيع الطبقة الكادحة، وتنحدر المعيشة . إنّ لصوص المال العام؛ لا يختلفون عن العدو بأية حال ، بل هم أ كثر ضرراً ؛ لأنهم محسوبون علينا، وهم أخطر من أي عدو معلوم. وللوقاية من فسادهم ؛ ينبغي الاختيار الحسن للمسؤول الكفء القوي الأمين، والعمل بنظام التدوير الوظيفي للمسؤولين والمرؤوسين، والتنفيذ الدقيق لنظام الرقابة والمحاسبة، وتسديد الثغرات في نظام المنافسات والمشتريات، والاهتمام بإرساء العدالة، وتعزيز النزاهة، ودعم المكاشفة ، وفضح المتورطين، وكشف أسماء الفاسدين. في الحديث الصحيح: [لا يسرق السارق حين يسرق وهم مؤمن]، فلعلّ أولئك المنحرفين ؛ يتوبون إلى خالقهم قبل موتهم، وقبل أن يأتي اليوم الذي تنشر فيه الصحائف،[لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً] (الكهف: 49)، ولن ينفعهم فيه مال ولا بنون. وأنَّى يستجاب دعاؤهم ، ومطعمهم حرام ، ومشربهم حرام، وملبسهم حرام ، [ومن يغلل يأت بما غَلّ يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون] (آل عمران:161). وللعلم ؛ فإن هناك صندوق لإبراء الذمة ، وهو حساب مصرفي خيري ، فتحه بنك التسليف السعودي في عام 1426ه؛ لإيداع أي مبلغ مالي أو عيني، تم الحصول عليه بغير وجه حق، وهو قائم على السرية ، حيث يضمن للمودعين فيه عدم المساءلة القانونية، والذي قارب رصيده في الفترة الأخيرة إلى مبلغ مئتي مليون ريال. د.عبدالله سافر الغامدي جده