هو عبدُ الله بن أحمَد المالقي، أبو محمَّد، ضِياء الدِّين، المعروف بابن البيطار، الحَكيم الأجلُّ إمامُ النبَّاتيين والعشَّابين وعُلَماء الأعشاب، أَوحدُ زَمانه، وعلاَّمة وقته في معرفة النَّبات وتحقيقه واختياره، ومواضِع نَباته، ونَعتِ أسمائه على اختلافها وتنوُّعها؛ فكان من أشهر الصَّيادلة العرب. وُلِد ابنُ البيطار في مالقة في أواخر القرن السَّادس الهجري، تعلَّم الطبَّ ودرسَ على أبِي العباس النَّباتِي الأندلسي، الذي كان يعشِّب، أي يجمع النَّباتات لدَرسِها وتصنيفها، في منطقة إشبيلية، و ، وتوفِّي في دمشق وهو في التَّاسعة والأربعين من عمره وهو يقومُ بأبحاثه وتجاربه على النَّباتات، حيث تَسرَّب إليه السمُّ في أثناء اختباره لنبتة حاول صنعَ دواءٍ منها. رحلَ ابنُ البيطار إلى بلاد الأغارقة وأقصى بلاد الرُّوم، كما اجتمعَ أيضاً في المغرب وغيره بكثيرٍ من الفُضَلاء في عِلم النَّبات وعاينَ مَنابِتَه باحثاً عن الأعشاب والعارفين بها، حتَّى كانَ الحُجَّةَ في معرفة أنواع النَّبات وتَحقيقه وصِفاته وأسمائه وأماكنه. واتَّصلَ بالكامِل الأيُّوبِي، محمَّد بن أبي بكر، فجعلَه رئيسَ العشَّابين في الدِّيار المصرية، كما يقول ابنُ أبِي أُصَيبِعَة. ولمَّا تُوفِّي الكامِلُ استبقاه ابنُه الملك الصاحِب أيُّوب، وحظيَ عندَه، واشتهر شهرةً عظيمة. اكتشفَ ابنُ البيطار نحو مائتي صِنف من النَّباتات الطبِّية التي لم تُعرف قبلَه. وألَّفَ مَوسوعتَه "الجامِع لمفردات الأغذية والأدوية"، مثلما سَمَّاه ابنُ أبِي أصيبعة، وهي مرتَّبةٌ على حُروف الهجاء، يذكر فيها الدَّواءَ ومنافعَه وطرقَ استعماله. وقد أَوردَ أكثرَ من ألف وأربعمائة عقار. وتُرجِم الكتابُ إلى لغات ثلاث هي الألمانية واللاتينيَّة والفرنسيَّة. ولضياء الدِّين بن البيطار كتبٌ أخرى، مثل: كتاب الإبانة والإِعلام على ما في المنهاج من الخَلَل والأَوهام. شرح أدوية كتاب ديسقوريدس. كتاب الجامِع في الأدوية المفردة، وقد استقصى في ذكر الأدويةِ المفردة وأسمائها وتَحريرها وقواها ومنافعها، وبيَّن الصَّحيح منها وما وقعَ الاشتباهُ فيه، ولم يُوجَد في الأدويةِ المفردة كتابٌ أجلَّ ولا أجودَ منه، حيث صنَّفه للملك الصالِح نجم الدين أيُّوب بن الملك الكامِل. كتاب المُغنِي في الأدوية المفردَة، وهو مرتَّبٌ بحسب مداواة الأعضاء الآلمة، ويَقَع في مُجلَّدين، ويُعرَف باسم "مفردات ابن البيطار". كتاب الأفعال الغَريبة والخواص العَجيبة. ميزان الطَّبيب. وكان ابنُ البيطار يَقوم من دِمشق بجولاتٍ في مناطق الشَّام والأناضول، فيعشِّب ويدرس. وفي هذه الفترة، اتَّصلَ به ابنُ أبي أُصَيبِعة صاحب كتاب طبقات الأطبَّاء، فشاهدَ معه كثيراً من النَّبات في أماكنِه بظاهِر دمشق، وقرأ معه تفاسيرَ أدويةِ كتاب ديسقوريدس. يقول ابنُ أبِي أُصَيبِعة: "فكنتُ آخذ من غزارة عِلمِه ودرايته شيئاً كثيراً. وكان لا يَذكر دواءً إلاَّ ويُعيِّن في أيِّ مكان هو من كتاب ديسقوريدس وجالينوس، وفي أيِّ عددٍ هو من الأدوية المذكورة في تلك المقالة". ومن صفاتِ ابن البيطار، كما جاءَ على لسان ابن أبِي أُصَيبعة، أنَّه كان صاحبَ أخلاق سامية، ومروءة كامِلة، وعلمٍ غَزير. وكان لابن البيطار قوَّةُ ذاكرةٍ عجيبة، وقد أعانته ذاكرتُه القويَّة على تصنيف الأدوية التي قرأَ عنها، واستخلصَ من النِّباتات العقاقيرَ المتنوِّعة، فلم يُغادِر صغيرةً ولا كبيرة إلاَّ طبَّقها، بعد تحقيقاتٍ طويلة. وعنه يقول ماكس مايرهوف Max Meyerhof: إنَّه أعظمُ كاتب عربِي ظهرَ في علم النَّبات.