إذا ما افترضنا جدلًا أن الخدمات الصحية هي سلعة يتم تداولها واستهلاكها من قبل المستهلك بهدف تعزيز صحة المجتمع. وبغض النظر عن بعض الأصوات التي تدعي عدم إمكانية تطبيق مثل تلك النظرية على سلعة مثل الخدمات الصحية بإعتبارأنها سلعة لا يمكن الإستغناء عنها وفي الغالب هي ضروره وليست ترفًا. وعلى الرغم من أن الخدمات الصحية والنظام الصحي يشكلان جزءاً يسيرًا ولكن مهما وجوهرياً من محددات الصحة العشر والمتفق عليها عالميا ضمن اتفاقية أتاوا المعلنة في عام 1986م والممتده لما بعد عام 2000م تحت شعار" الصحة للجميع". إلا أن ارتفاع الطلب على تلك السلعة أدى إلى إخفاقات متتالية وعدم تحقيق التوازن بين ما يسمى بالعرض والطلب. فالعروض ضئيلة من قبل مقدم وممول الخدمة والطلب في تنامي من قبل المستهلك أو المستفيد من الخدمة من المواطن و المقيم على حد سواء. وبالتالي فإنه إذا ما لم يتم تبني حلول لخفض الطلب المتزايد والمتوقع مع تقدم السن لدى السكان والذي يتواكب بديهياً مع تنامي الحاجة لنوعية خاصة من الخدمات الصحية قد تكون أكثر تتطورًا وأكثر كلفة، وهذا تباعاً يؤدي إلى تسارع في الطلب على الخدمات الصحية لا سيما أننا شعوب مستهلكة من الدرجة الأولى. ويمتد الأثر السلبي للعولمة التي نعيشها كجزء من العالم لينتج عنه نزوح عدد كبير من سكان القرى إلى المدن فتزداد الأمور تعقيدًا. أما من ناحية العرض فنجد في كثير من الأحيان شح في الأراضي وعجز أو خلل في توزيع القوى العاملة المطلوبة كأصول لتشغيل وإدارة تلك الخدمات. ومما ذكرت سابقاً نستطيع أن نستنتج أن ما يحدث الآن من عدم رضى عن الخدمات الصحية هو نتاج لزيادة الطلب وقلة العرض. ولذلك فقد عمل كل من علماء وخبراء تمويل النظام الصحي واقتصاديات الصحة على إيجاد استراتيجيات عدة لزيادة كفاءة العرض، ومن أهمها تمويل الخدمات الصحية وكذلك أوجدوا طرق عدة لتغطية تكاليف الرعاية لمقدمها؛ سواء كان مقدمها طبيبًا في عيادة أو مستشفى أوحتى شركة تجهيزات ومعدات طبية فجميع هؤلاء مقدمين للخدمة. وأخيرا أتمنى أن تتبنى وزارة الصحة لدينا وكذلك مجلس الضمان الصحي استراتيجية "الصحة العامة المبنية على البراهين". وذلك من خلال الاستعانة بخبراء لديهم اطلاع على ما يجري في أنظمة التمويل والتأمين الصحي بأنواعه في الدول التي سبقتنا لذلك. كما أرجوا ألا يكون الخوف من فشل أنظمة التمويل والتأمين الصحي هو سيد الموقف مما يعيق خوض تجارب وقياس نتائجها بشفافية وموضوعية في هذا المجال. فلا ينقصنا شي سوى ربما خطوات ثابتة للتغيير للأفضل. بقلم د/سلافة طارق القطب استشارية طب مجتمع بصحة جدة ماجستيرسياسات صحية وصحة عامة