ذكرت صحيفة ( الحياة ) السعودية اليوم أن تسمية المرافق التعليمية والمساجد بأسماء القبائل في الطائف أشعلت فتيل الجدل بين عدد من التربويين، إذ رأى بعضهم أن تلك الخطوة تسهم في تأجيج النعرات والعصبية القبلية، مطالبين بإطلاق أسماء أعلام التاريخ الإسلامي والوطني عليها، خصوصاً أن إرثنا يغص بالكثيرين منهم. فيما اعتبر فريق آخر لا ضير في إطلاق أسماء القبائل على المرافق الخدمية والمساجد، مشيرين إلى أن ذلك ينمي الارتباط في نفوس من يسكن القرية، ويعزز الاهتمام بالمكان والحرص عليه، موضحين أن تسمية تلك المرافق من أبسط حقوق أصحاب المكان، تقديراً للجهد الذي بذلوه للحصول على الموافقة لإنشائه. قال الطالب محمد سعد: «إن عدداً من أقربائي المشبعين بالعصبية القبلية عمدوا إلى بذل المساعي وإدخال المحسوبيات واستجداء المسؤولين لإطلاق اسم القبيلة على مجمع تعليمي تم تأسيسه في قريتنا أخيراً»، مؤكداً أن الآخرين من القبائل المجاورة التي تقطن المنطقة امتعضوا من هذه التصرفات، لا سيما وأنهم يرون أنها تشعرهم ب«الدونية» وتشعرهم بأنهم أقل شأناً من غيرهم. وخشي من أن يتطور الوضع بمنع بعض أولياء الأمور أبناءهم من الالتحاق بتلك المدارس، وتسجيلهم في أخرى بعيدة عن مساكنهم وتحمل مشقة المسافة في سبيل عدم الخضوع للقبيلة الأخرى «التي حظيت بالمسمى وفق اعتقادهم». بدوره، أوضح مدير مدرسة ثانوية عالي الجعيد أنه واجه خلال خبرته في حقل التربية والتعليم التي امتدت ل 35 عاماً كثيراً من الاشتباكات الطلابية الدامية، تقف وراءها العصبية القبلية، لافتاً إلى أن المسمى قد يؤجج العصبية في نفوس الناشئة ويزرع العدوانية في صفوفهم، مشدداً على أهمية إعادة النظر في هذا الجانب من قبل أصحاب القرار. فيما يرى المشرف التربوي الدكتور رائد القثامي أن إطلاق اسم القبيلة على المنشأة التعليمية لم يأت لإرضائها وكسب ودها، بل لتحديد موقعها الجغرافي، مؤكداً أن التعليم حق مشاع للجميع. وبين أنه كثيراً ما يقرأ عبارات شوهت المناظر الحضارية على أسوار المباني تحمل في محتواها عصبية قبلية، مرجعاً وقوع الإشكالات خلف إطلاق المسمى القبلي على المنشأة، إلى كيفية تعامل الأفراد معه من واقع ثقافة المجتمع. من جهته، ذكر مدير الإدارة العامة للتربية والتعليم (بنات) في محافظة الطائف سالم الزهراني أنه توجد مدارس بنات عدة، تحمل مسميات قبلية ضمن نطاق مهمات الإدارة، موضحاً أن إطلاق تلك المسميات القبلية لا يقتصر على المنشآت التعليمية في الطائف، بل يمتد إلى المدن والهجر في أنحاء السعودية. ورأى أن أسماء الصحابيات رضوان الله عليهن ورموز الوطن من النساء أجدر بالمسمى، خصوصاً أن إطلاق اسم القبيلة على المنشأة التعليمية واعتماده رسمياً قد يوجد تصوراً لدى بعض أفرادها أنها ملكية خاصة ظفروا بها من دون غيرهم ما يدفعهم للتباهي والتفاخر. من جانبه، اعتبر مشرف النشاط الثقافي بتعليم الطائف هلال الحارثي تسمية بعض المعالم كالمدارس مثلاً باسم القرية أو المنطقة التي أنشئت بها، تأتي من باب تحديد الإحداثية للوصول إليها في أسرع وقت ممكن، لا سيما أننا لا نعتمد على الإحداثيات الرقمية في تسمية الأحياء السكنية والمباني والمجمعات السكنية. وقال: «لذلك تجد هناك عدداً من القرى استمدت اسمها من اسم القبيلة أو العشيرة التي تسكنها، وفي تقديري الخاص يؤدي ذلك للعودة إلى عصر الاعتزاز بالعصبية القبلية البائدة بقدر ما تشكله من إحداثية محددة يستطيع الشخص تحديدها ومن ثم الوصول إليها في أسرع وقت»، لافتاً إلى أن لدى الجهات المختصة مساحة كبيرة من الوقت لتعتمد على الإحداثيات الرقمية واستخدامها في الحياة اليومية للوصول إلى أي معلم. وأكد الخبير الأمني مدير شرطة جدة سابقاً اللواء متقاعد مسفر الزحامي أن إطلاق المسمى القبلي على المنشأة التعليمية له آثار سلبية من الناحية الأمنية، معتبراً أن ذلك ترسيخ لمفهوم القبلية الذي يجب الهروب منه وتوعية المجتمع بخطورته. وشدد على أهمية نبذ العصبية وإذابتها باعتبارها عامل هدم ليست عامل بناء، مشيراً إلى أن ذاكرته لا تزال تختزن خلال عمله في الأمن الكثير من حوادث العراك بين طلاب المدارس تطورت إلى القتل، اندلعت شرارتها الأولى بسبب العصبية القبلية. في المقابل، كان لعضو هيئة التدريس في جامعة الطائف الدكتور سعيد الزهراني رأي مغاير عن سابقيه، إذ وصف تسمية المدارس أو المساجد باسم القبيلة ب «المنطق والمعقول»، معتبراً ذلك من باب التوثيق للمكان حتى لا يصبح تاريخاً ويندثر. ورأى أن إطلاق اسم القبيلة على أي مرفق خدمي ينمي الارتباط في نفوس من يسكن القرية أو المكان، إلى جانب تنمية الاهتمام بالمكان والحرص على نظافته ونموه. ملمحاً إلى أن إطلاق الاسم من أبسط حقوق أصحاب المكان «تقديراً للجهد الذي بذلوه من أجل الحصول على الموافقة لإنشاء المرافق الحكومية التي تمثل المكان لا القبيلة». وتوقع ألا يثير تسمية المدرسة أو المسجد بالقبيلة أي نعرات في المجتمع أو يعزز العصبية بين أفراده، معتبراً ظهور بعض الذين يكرسون لتلك الأفكار مشكلة فردية وليست جماعية. وبين أن الأفكار التي تدعو للعصبية القبلية يروج لها بعض كبار السن الذين يفتقدون العلم والمعرفة، فيما جيل اليوم على قدر من المسؤولية والإدراك والوعي والمعرفة، وحذر من المخاطر التي تفرزها القنوات الفضائية والإنترنت، وما تحمله للجيل القادم من إشكالات قد تمس الدين والأخلاق وتشتت وتدمر الأسرة، وتسهم في نشر وإحياء العصبية القبلية، مشدداً على أهمية تحصين شبابنا ضد تلك الوسائل وأن نعد العدة للتصدي لها.