الشائعات والتقييمات تتطاير وتنتشر. وبدأ محللون وخبراء يتساءلون عما إذا كانت مكاسب المتمردين الأخيرة في شمال سوريا قد تشكل بعضا من نقطة تحول محتملة يمكن أن تشير إلى ضعف أساسي طرأ على النظام. وبدأ السؤال يتردد: هل «بشار الأسد» في طريقه للخروج؟ وبطبيعة الحال، هذا هو السؤال نفسه كنا نسأله لأنفسنا مرارا وتكرارا على مدى السنوات الخمس الماضية. وفي الواقع، فإنه في عام 2011 كانت الحكمة التقليدية حول هذه المسألة تتوقع كل شيء إلا أن يكون بإمكان «الأسد» أن ينجو من الربيع العربي، وأنه في نهاية المطاف سيلقى نفس مصير «زين العابدين بن علي» (تونس) و«حسني مبارك» (مصر) و«علي عبدالله صالح» (اليمن) و«معمر القذافي» (ليبيا). والآن، فقد مرت خمس سنوات تقريبا؛ فهل يختلف الأمر هذه المرة؟ هل يمكن أن يكون ما يحدث هو أن إعلان الرئيس «باراك أوباما» في أغسطس/آب 2011 أن حتمية تنحي الأسد في طريقها بالفعل إلى التحقق، وذلك راجع إلى حد كبير نتيجة لمعارضة إسلامية تتفتق داخل المؤسسة الأمنية، وصعوبة تجنيد العلويين للقتال؟ هل يمكن أن تكون تلك حقا هي النهاية؟ الجواب بالطبع أنه لا أحد يعرف. وأنه من الصعب حقا التنبؤ بنقاط التحول الإلهية أو اللحظات التي يكون فيها حقا تغيير كبير في أي وضع، وخاصة في حالة مثل سوريا عندما تكون قد تراجعت بشكل كبير عن قراءة أوراق الشاي وأحشاء الماعز لفهم «نظام الأسد» بعمق. لذلك، قررت بحثا عن إجابات واضحة بشأن ما يمكن أن يكون أحد أكبر التداعيات المحتملة للتطورات في السياسة الإقليمية في السنوات الخمس الماضية أن أتحدث إلى اثنين من الخبراء، «جوشوا لانديس» من جامعة أوكلاهوما و«فريد هوف »من المجلس الأطلسي (مستشار أوباما الخاص سابقا للتحول السوري)، وهما من خيرة المحللين للسياسة السورية على حد علمي. وإليك ما ذكروه لي: «آرون ديفيد ميلر»: تشير مكاسب المتمردين في إدلب وجسر الشغور أن التمرد الآن أقوى من أي وقت مضى. هل وصلنا إلى نوع من نقطة اللاعودة والذي يشير إلى يشير إلى بداية النهاية ل«بشار»؟ «فريد هوف»: لقد بدأت بداية النهاية ل«بشار» في مارس 2011، عندما كان الرد على الاحتجاج السلمي ضد وحشية الشرطة هو العنف القاتل. ليس هناك شك في أن جيشه الآن متعب ومستنزف وفاقد للروح المعنوية. لقد مل العمود الفقري للجيش، الطائفة العلوية،من التضحية بأبنائها من أجل بقاء عشيرة (حتى قبل عام 2011) لم تقدم الشيء الكثير للطائفة ولسوريا بشكل عام. وما زال العلويون يتمسكون إلى الآن، وعلى مضض، بالنظام. وهذا راجع إلى غياب بديل مميز مرغوب فيه، وبسبب المخاوف الوجودية التي أشعلها النظام. أما بالنسبة للتطورات الميدانية الحاليَة على أرض الواقع، فإنها لا تُنذر، بالضرورة، بسقوط دمشق أو اختفاء النظام. هناك مد وجزر في هذا الصراع، وإيران قد تجد مرة أخرى (كما فعلت في عام 2013) طرقا لاحتواء خسائر النظام وقلب هزيمته. «جوشوا لانديس»: إن «بشار» ما يزال بعيدا عن النهاية أو الخروج. لكن الخسائر في إدلب وجسر الشغور تظهر مدى قوة وتنظيم المجموعات الثورية، وهذا ما يثير بالتأكيد قلق جمهور «الأسد». ولكن ما الذي يفسر هذه القوة الثورية الجديدة والمنظمة؟ لقد تم تحييد اثنين من المنافسين الرئيسين لجبهة النصرة، والولاياتالمتحدة أضعفت إلى حد كبير تنظيم «الدولة الإسلامية». كما قضت جبهة النصرة على الكتائب «المعتدلة» المدعومة من الولاياتالمتحدة والمملكة العربية السعودية. وهذا أجبر «الجبهة الإسلامية» وتجمعات ثورية أخرى على قبول النصرة كقوة مهيمنة والتنسيق معها. في السعودية، قدم الملك الجديد أولوية إضعاف إيران على إضعاف جماعة الإخوان، وعكس بهذا اتجاه الأهداف الاستراتيجية لسلفه. وهذا يعني أن المملكة العربية السعودية لم تكن على الخط نفسه الذي تبنته تركيا وقطر، والتي دعمت وفضلت التوجهات الإسلامية ما أثار استياء الرياضوالولاياتالمتحدة. ولكن يبدو أن النصرة وأحرار الشام عززوا نفوذهم وتأثيرهم في قوات الثوار تحت راية جيش الفتح، واهتدوا للعمل معا بفعالية. وهذا أمر كبير. يمكن أن يكون هناك تأثير للملك سلمان بزيادة المساعدات السعودية والتعاون مع تركيا وقطر. وقد يكون ذلك جزءا هاما من قوة المقاتلين المتمردين الأخيرة. وسوف يضطر «الأسد» لتحسين وضع جيشه ودفاعاته. فما زال يمتلك حوالي 65% من جملة الشعب السوري. وهناك تقارير كثيرة تشير إلى تهرب رجاله من الخدمة العسكرية، ومع ذلك، فإن الأمر الذي سيصعب عليه هو استعادة ما خسره. وليس من المؤكد ما إذا كانت الانتصارات الميدانية الأخيرة للثوار في مناطق الأسد هي بداية النهاية، أو ما إذا كانت ستُجبر «الأسد» على تغيير استراتيجياته الحربية. وهذا قد يدفع «الأسد» إلى العمل من أجل التقسيم الفعلي للبلاد، بدلا من الحفاظ على استراتيجية «كل الزوايا». «ميلر»: هل تقبل بفكرة أن هناك علويين ملتحقون بالجيش، الذين هم جزء من النظام الحالي أو في الخارج، ممن يستطيعون التحدث باسم مجتمعهم واعتبارهم محاورين ذوي مصداقية في التوصل إلى حل سياسي؟ «لانديس»: لا أعتقد أنه سيتم التوصل إلى حل سياسي. فالمتمردون الإسلاميون مصممون على استعادة السيطرة على كل سوريا. و«الأسد»، حتى الآن، عازم على استرجاع ما خسره. ونظامه يعتمد على الهيكل السياسي لحكم العائلة والولاءات التقليدية التي أنشأها والده قبل 45 عاما. «هوف»: أعتقد أن العلويين يجب أن يكونوا شركاء بشكل كامل في سوريا. بالتأكيد هناك الكثير من العلويين في الجيش الذي يديره النظام والذين خدموا بشرف ورفضوا المشاركة في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ويجب على المعارضة السورية أن تكون واضحة في أن مصطلح "نظام الأسد" يشير إلى عشيرة ودائرة صغيرة نسبيا من المجرمين، وأن الآخرين من غير هذه الدائرة سوف يكونون موضع ترحيب للمشاركة في الحياة السياسية في حقبة ما بعد النظام السوري. «ميلر»: في حالة أن التمرد الاسلامي نجح في السيطرة بالفعل على دمشق، ما الذي من شأنه أن يتكشف للعلويين والأقليات المسيحية؟ «هوف»: دمشق مدينة كبيرة والتمرد ضد حكم «الأسد» يشمل العديد من المجموعات المختلفة التي يمثل قادتها مجموعة من الآراء السياسية والمواقف الطائفية. «الدولة الإسلامية» ليست جزءا من التمرد المناهض للأسد، إنها مجرد ظاهرة مستمدة من العراق تعمل في كثير من الأحيان جنبا إلى جنب مع «نظام الأسد» لهزيمة بدائل القومية السورية لصالحها ولصالح النظام. وإذا ما غير تنظيم «الدولة الإسلامية» هدفه وقام بملاحقة النظام فسوف يكون هناك دفاعا جريئا وفعالا من دمشق، مع أو بدون «الأسد»؛ لأن سمعة «الدولة الإسلامية» فيما يتعلق بالذبح الطائفي راسخة وذائعة الصيت. وإذا شرعت دمشق في اصطفاف قوى مماثل لما جرى مؤخرا في «إدلب»، تطور غير محتمل في رأيي، فسوف يكون هناك بالتأكيد خوف داخل المواطنين في دمشق، كما سيكون هناك حوادث عنف من دون شك. الحرب التي شنها النظام لا يمكن احتواءها أو نسيانها بسهولة. ولكن هل هناك احتمالية لمذبحة منهجية عامة؟ ربما لا، ولكن التهديد نفسه يجب أن يلهم واشنطن الدخول بجدية في دعم الحركات غير الجهادية، والذين يقصد بهم معارضو النظام من القوميين. يمكننا أن نقول إنه إجمالا خرج النظام عن طريقه الذي كان عليه على مدى السنوات الأربع الماضية من توريط الأقليات والعرب السنة الداعمين لهم في سلسلة جرائمه. وتحتاج واشنطن إلى ممارسة السيطرة الكاملة على من بإمكانه الوصول إلى المعارضة السورية من القوى الإقليمية. «لانديس»: «عملية الفرز الكبرى» الذي ذكرتها من قبل تجري في المنطقة ومن شأنه أن يستمر. لقد غادر المسيحيون إلى حد كبير سوريا. ومن المحتمل أنهم يشكلون الآن أقل من 3٪ من السكان. وقد يتعرض العلويون للانتقام ويتم نهب مدنهم. ليس هناك من سبب يجعل المتمردين يظهرون لهم رحمة. العديد من العلويين يهربون إلى لبنان بدلا من ترقب ما ينتظرهم في حال أن المليشيات الإسلامية سيطرت على مدنهم. ويعتبر الزعماء الإسلاميون العلويين مارقين ومرتدين. وحتى قادة الجبهة الإسلامية الأكثر اعتدالا يرددون أن الشيعة يجب تطهيرهم عرقيا من سوريا. «ميلر»: ما هي أهمية «الأسد» وسوريا بالنسبة لإيران، وماذا أعدت طهران لإنقاذه؟ «لانديس»: حكم العلويين ونظام «الأسد» مهمان جدا بالنسبة لإيران. تنفق طهران المزيد من المال لدعم النظام، ولكن أجد أنه من الصعب التصديق أنها سترسل لواء من الجنود الإيرانيين للقتال في سوريا. «هوف»: خلال سنتين من المناقشات الثنائية مع أشخاص مؤثرين إيرانيين غير رسميين، قيل لي دائما إن الحفاظ على «الأسد» شخصيا هو أولوية قصوى للأمن القومي الإيراني. وتعتبر إيران «الأسد» ملائما تماما للحفاظ على القوة الصاروخية والتسليحية لحزب الله على اعتبار أنها موجهه دوما صوب إسرائيل وفي حالة من الجاهزية للقتال. وترى إيران علاقة «الأسد» وحزب الله مهمة من الناحية العملية؛ حيث يخشى الإيرانيون أنه مع رحيل «بشار الأسد» سينهار النظام، وأن خليفته لن يُخضع سوريا إلى إيران كما فعل «الأسد». « ميلر»: إذا سقط «الأسد» فكيف سيتأثر حزب الله بهذا؟ «هوف»: إذا لم تكن إيران قادرة على استبدال «الأسد» بشخص في مثل فعاليته وخضوعه في تمرير الإمدادات لحزب الله، فإن زعيم المليشيات اللبنانيةالإيرانية سيكون حاله أقرب إلى قائد عسكري مسلح تسليحا جيدا، لكنه أيقن أن لا أمل في تمويل مستقبلا. وهذا يمكن أن يكون له تأثير سلبي عملي على إيران وقوتها الاستراتيجية في لبنان. القائد الأعلى للثورة الإيرانية «آية الله علي خامنئي» وزعيم حزب الله «حسن نصر الله» يعرفون جيدًا أن توظيف قوة الصاروخ والقذيفة يمكن أن تكون مرة واحدة فقط. وسوف تتضرر مع مرور الوقت دون تمويل مستمر ورفع للمستوى. «لانديس»: سيُحرم «حزب الله» من مصدر إمداده بالأسلحة الثقيلة. لقد استطاعت إسرائيل والولاياتالمتحدة مراقبة الشحنات البحرية والجوية، ولكن تعذر عليها مراقبة الطرق البرية التي يستخدمها «الأسد» لتقديم الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله. «ميلر»: هل هناك ثوار إسلاميون قادرون على حكم البلاد؟ «لانديس»: أتصور أن القوى الإسلامية سوف تجد وسيلة لحكم سوريا. «هوف»: مصطلح "إسلامي" واسع جدا. هل يمكن أن تُحكم سوريا بشكل شرعي من قبل الذين يعتقدون أن مواطنوها من الأقليات الطائفية أدنى درجة من الأغلبية؟ لا بالطبع. هل يجوز أن يكون هناك تيار سياسي في جمهورية دستورية يدعم موقف أن القانون ينبغي أن يكون مستمدا من التعاليم الأخلاقية للقرآن والحديث النبوي؟ نعم. ولكن سوريا - في طبيعتها - فسيفساء عرقية وطائفية، ولا يمكن أن يحظى طرف بموافقة المحكومين قاطبة، وهذا مطلوب للاستقرار والشرعية الحقيقية، إلا إذا كانت المواطنة أساس الحكم سياسيا. هل هناك في المعارضة من هو جاهز لقيادة الحكومة في وقت الذروة؟ لا. والآن لم يعد نظام الأسد قادر على الحكم من دون قتل جماعي، وإفساد للقوة الصناعية، والتعاون الضمني مع الدولة الإسلامية. «ميلر»: ماذا يعني سقوط «الأسد» لتنظيم «الدولة الإسلامية»؟ «هوف»: يريد تنظيم «الدولة الإسلامية» أن يكون أحد الطرفين الباقيين في سوريا بعد انهيار الكل. كما أنه يريد أن يكون الطرف المتبقي معه هو «نظام الأسد». ويخشى التنظيم أن يحل نظام أكثر قبولا للسوريين محل «نظام الأسد». وفي الوقت الذي ما زال «الأسد» يمسك فيه بصهوة الجواد، فإن تنظيم «الدولة الإسلامية» يرتكب كل يوم جرائم حرب مدفوعة بالطائفية وجرائم ضد الإنسانية من باب الدعاية التي تجند لصفوفه الكثير، كما أنه يسعى إلى رسم صورة لسوريا المدمرة والعالم السني الناقم والمختل. هناك سبب عملي متين وراء عدم توجيه «الدولة الإسلامية» سلاحها إلى النظام وقواته. «لانديس»: إذا كان لجبهة النصرة والجبهة الإسلامية أن يضعفا سيطرة «الأسد» على المدن الكبرى في سوريا، فإن على «الدولة الإسلامية» أن تبذل جهودا مضنية لاستعادة تلك المدن. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى انشقاقات كبيرة في «الدولة الإسلامية» لينتقلوا بدورهم إلى جبهة النصرة، تماما كما أدت انتصارات «الدولة الإسلامية» الأولية إلى انشقاقات في جبهة النصرة والمليشيات الإسلامية الأخرى منضوية تحت راية «الدولة الإسلامية». «ميلر»: كيف سيكون الوضع في سوريا بعد عام من الآن؟ «لانديس»: سوف يظل «الأسد» مسيطرا على دمشق والمناطق الساحلية، ولكن حماة ستكون إما محررة أو غارقة في الحرب. وهذه، بطبيعة الحال، مجرد تكهنات. ذلك أن الكثير يعتمد على ما إذا كان العراقوإيران سيصعدان الموقف للرد على المساعدات التركية والسعودية للثوار السنة في سوريا، كما إنه سيعتمد على مدى رغبة القوى السنية في المنطقة في هزيمة إيران و«الأسد» في سوريا. «هوف»: إذا ما أصرت واشنطن على عدم التدخل لحماية المدنيين وتوفير الدعم السياسي والعسكري للوطنيين السوريين، فإن الكارثة الإنسانية ستتفاقم بشكل كبير، وسيتم تقسيم البلاد بشكل غير رسمي بين تنظيم «الدولة الإسلامية» و«نظام الأسد»، في الوقت الذي ستراق فيه المزيد من الدماء بين الأبرياء. وأعتقد أن العالم سيواصل اعتماده على العلاقة المعروفة «عش واتركني أعيش» غير المستقرة بين الجانبين اللذين بقيا على قيد الحياة، إيران لن تضيع أصولها اللبنانية في إعادة السيطرة على شرقي سوريا الذي تعتبره بشكل كبير بلا قيمة، و«الدولة الإسلامية» سوف تسعى للتركيز على تعزيز وجودها في شرقي سوريا لتسهيل العمليات في العراق. ومع ذلك، سيكون التغيير الأساسي في المستقبل في السياسة الأمريكية. فإذا اختارت الولاياتالمتحدة حماية المدنيين، واستبدال مبادرة تدريب وتجهيز بعض المجموعات المقاتلة الضعيفة ببناء قوة استقرار وطني لجميع السوريين، ومن ثم تجنيد قوى إقليمية لتوفير القوات البرية لاكتساح مناطق «تنظيم الدولة» في سوريا بحيث يمكن للبديل الحكومي لعائلة «الأسد» أن يتأسس، فإنه يمكن عندئذ تجنب السيناريو المتشائم، وبعد ذلك يمكن للسوريين التفاوض على تسوية تؤدي في النهاية إلى الحكم الشرعي. *ترجمة وتحرير الخليج الجديد