«الرقية الشرعية» أمر مشروع.. وليست حكرا على القراء وحفظة كتاب الله ولكن طرأت عليها الكثير من البدع والممارسات التي لا تمت للدين بصلة فضلا عن اتجاه كثير من الناس للرقية عند من يدعون العلم بها رغم أن الحديث والمتفق عليه يحث على عدم قصد الرقية عند الغير. وتسبب مدعو الرقية في الكثير من المآسي، وانتهكت في ساحاتها محرمات بشهادة رئيس هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الدكتور عبداللطيف آل الشيخ الذي أعلن في تصريحات صحفية سابقة أن الهيئة «تسجل حالات انتهاك لأعراض نساء بذريعة علاجهن بالرقية الشرعية»، وقال «الرقية أصبحت صنعة من لا صنعة له، ولا يجوز أن تبقى هكذا، ولا ينبغي كذلك أن يبقى الرقاة على هذه الحال».. ويتعدد الرقاة في جده حيث يستقبلون مئات المرضى. رقية ذاتية -------------- الدكتور حسن الازيبي استاذ الفقه المقارن في جامعة ام القرى يقول: هناك الكثير من الرقاة اتخذوا منها وظيفة وهو امر مخالف لما كان عليه السلف الصالح الذين لم يخصصوا اماكن لرقية الناس ولم يستخدموا فيها مكبرات الصوت وغير ذلك من الامور التي لا تمت للرقية الشرعية، بل كان نهج السلف انهم كانوا يرقون الاخرين بتلقائية ويرقون انفسهم. صحيح ان الله سبحانه وتعالى انزل لكل داء دواء، لكن لا يجب أن تشد الرحال الى الرقاة بغرض التداوي الا ان ذلك ليس بمحرم الا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ان من يتجنب ذلك قد يكون ان شاء الله تعالى من السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب. فهذا الحديث حض على ترك الذهاب الى الرقاة. ويتساءل: لماذا يذهب المرء الى الراقي ولا يرقي نفسه بنفسه او لا يرقي ابناءه ويحصنهم بالمعوذات والاوراد المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم. الازيبي ىستطرد مواصلا: هناك قصص اقرب الى الخرافة يتواردها البعض عن مدعي الرقية، ممن قد يكونون وقعوا في المحاذير الشرعية كالاستعانة بالجن ونحو ذلك من ضروب الشعودة وعلى من يصر على الذهاب الى الرقاة مراجعة اقوال هيئة كبار العلماء حيث بين العلماء الاسس الصحيحة. علاقة أم شبهة ---------------- خلود ناصر المحاضرة في قسم علم النفس في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة تقول: هناك علاقة قوية تجمع بين المرض النفسي والشعوذة والكهانة، ولو تتبعنا تاريخ العلاقة لوجدنا أنها تعود للعصور القديمة حيث كان ينظر للمرض النفسي على أنه مس من الجن، أو أرواح شريرة، أو أن اللعنة حلت عليه. هكذا كان تفسير من عاشوا في تلك العصور القديمة خاصة في أوروبا، حيث كان المريض النفسي يسجن ويعامل أسوأ معاملة على اعتبار انه شخص غير جيد وتسكنه أرواح شريرة ويجب التخلص منه. وتضيف خلود الناصر: الإيمان بهذه المعتقدات وهذه الأفكار استمر حتى وقتنا الحالي ويسقط كثير من أفراد المجتمع بسهولة في فخ المشعوذين كما وجد ان نسبة كبيرة من هؤلاء يستقبلون مئات المرضى وهذا مؤشر خطير يدل على قلة الوعي الأفراد وسهولة إنقيادهم لكل ما يعرض أمامهم من مشاهد أو يسمعون عنه من قصص. وهؤلاء يغرر بهم بسبب العجز وقلة الحيلة واللهفة للعلاج والإحساس باليأس والإحباط نظرا لما يعانيه المريض من ألم وخوف. الوصمة الاجتماعية -------------------------- تؤكد الناصر إن من أهم الأسباب التي تجعل الأفراد ينقادون إلى المشعوذين وجود الخلط بين المرض النفسي والسحر والمس، وغياب الوعي، وعدم المعرفة بأهم التفاصيل والأعراض التي تميز الأمراض النفسية، فنجد بعض الأسر لمجرد مشاهدتهم لبعض الأعراض الظاهرة على ذويهم يتسرعون في الحكم عليهم ويصفوهم بأنهم « مسحورون، ممسوسون، مسكونون « وفي الواقع هم مصابون باضطرابات نفسية أو عقلية من اكتئاب أو فصام أو غيره من هذه الأمراض.. بالإضافة إلى خوفهم من الوصمة المجتمعية التي قد تلتصق بهم وتلاحقهم نتيجة أفكارهم السلبية واللاعقلانية حول العلاج النفسي والطبيب النفسي. تواصل خلود الناصر: رغم أن شريعتنا السمحة شرعت وسائل عدة للتحصين إلا أن كثيرا من الناس يفضلون الذهاب إلى الرقاة، وفي اعتقادي هناك حاجة ماسة إلى الإيمان بفكرة أن القرآن الكريم ليس حكرا على أحد، وأن يقوي المريض ثقته بنفسه ويراجع نيته وأعماله، وألا يقلل من كفاءته ويضعفها أمام قدرات الآخرين وصلاح أعمالهم ونواياهم، إلا أن البعض قد يصل إلى مرحلة لا يستطيع أن يفيد نفسه لشدة الأذى والضرر الواقع عليه، الأمر الذي يجعله في حاجة ضرورية إلى مساعدة غيره. استغلال الجهل ------------------- في المقابل يقول الراقي فيصل عوض: من الملاحظ الانتشار الواسع لكثير من الأمور المحدثة التي أثرت على فئة غير قليلة من المسلمين في شتى أنحاء العالم الإسلامي، ومما شاع في زماننا من ذلك تفشي كثرة الأمراض الروحية من (سحر، عين، مس شيطاني)، وفي المقابل انتشرت فئة من الناس امتهنوا الرقية فمنهم من وفقهم الله تعالى فنفع الناس ومنهم من أضل وامرض واهلك كثيرا من الناس. وأقول افترق الناس في العلاج بالرقية إلى عدة فرق فمنهم من تحمل وصبر واحتسب ولجأ إلى الله تعالى وعالج نفسه بنفسه بالدعاء ورقية نفسه، ومنهم دفعه جهله وقلة صبره وضعف إيمانه للذهاب للسحرة والمشعوذين فسلبوا دينه وأفقروا جيبه. فهناك كثير من هؤلاء استغلوا جهل وحاجة وطيبة الناس فأصبحوا يمارسون عليهم تجاربهم ويشترطون عليهم المبالغ الخيالية فتاجروا بالدين بعرض من الدنيا. 70 ألفاً -------- ويضيف الراقي عوض: نجد فريقا يحذر من الرقية بكونها تخرجه من السبعين ألفا الذين جاؤوا في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن عمران بن حصين الذي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب. قالوا: من هم يا رسول الله، قال: هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون). وقد اختلف العلماء في المقصود بقوله عليه الصلاة والسلام: هم الذين لا يسترقون، فقد قال بعض أهل العلم إن القول المختار في ذلك أنهم الذين لا يسترقون الرقى الشركية، أما طلب الرقية الشرعية فليس من ذلك. واختتم قائلا: الرقية فضل ورحمة وهبة من الله تعالى لخلقه فكم شفت وما زالت تشفي بعد الله عز وجل من أمراض استعصت على الطب قديما وحديثا، وفي ذلك الكثير من القصص في كل زمان ومكان.