انتقلت حالة التأزيم السياسي بين القوى المطالبة بالإصلاح السياسي والحكومة اﻷردنية، إلى داخل البرلمان، مع نشوب شجار وجدل ساخن شهدته أولى جلسات مناقشة مشروع قانون الانتخابات اﻷحد، تمهيداً ﻹجراء انتخابات نيابية مبكرة في البلاد، قبل نهاية العام الجاري. وشهدت الجلسة الأولى لمناقشة مشروع قانون الانتخابات، الذي أقرته اللجنة القانونية في المجلس قبل أيام، مشادات كلامية بين عدد من النواب، تطورت إلى رشق النائب يحيى السعود للنائب جميل النمري بحذاء، على خلفية تلويح اﻷخير بالاستقالة، رفضاً للصيغة المقترحة للقانون، مما أدى إلى رفع الجلسة، ووقف النقاش بشأن القانون. وتمحورت خلافات النواب حول الصيغة التي قدمتها اللجنة القانونية، وتضمنت اعتماد صوت للدائرة الانتخابية، وصوت آخر لقائمة تعتمد مبدأ التمثيل النسبي، بواقع 17 مقعداً، ولقيت هذه الصيغة رفضاً من قطاع واسع داخل المجلس، تزامناً مع رفض حزبي وسياسي في الشارع، لتشابهها مع الصوت الواحد، بحسب مراقبين. وبادرت "كتلة التجمع الديمقراطي" اليسارية، التي ينتمي إليها النائب النمري، قبل أيام، إلى حشد التأييد ضد الصيغة المقترحة، والمطالبة برفضها، والتلويح بالاستقالة، إلى جانب عدد من النواب المستقلين في البرلمان لرفض الصيغة. وعبر النائب النمري عن استيائه من اعتداء النائب السعود، قائلاً إنه بادر بالتعليق مع بداية الجلسة، دون أن يبدأ أي حوار متبادل، مستهجناً تطور التعليقات إلى اعتداء. وقال النمري، في تصريحات لCNN بالعربية: "من الواضح أنه كان مبيت للطوشة، وحاولت تجنبه، وقد بدأ الكلام دون أن أتحدث إليه.. والآن نحن بصدد توجيه مذكرة لمنعه من حضور الجلسات." ويرى النمري أن حالة الأجواء المشحونة تعكس خلافاً حاداً حول قانون الانتخابات، بطرق خرجت عن "السجال السياسي إلى البلطجة"، على حد تعبيره، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن اﻷهم الآن هو تبني مبادرة نيابية لرفض الصوت الواحد. إلا أن النمري أشار وبوضوح إلى أن الأغلبية النيابية تؤيد إعادة إنتاج الصوت الواحد، لافتاً إلى أن 30 نائباً، من أصل 120، يرفضون الصيغة، متمسكاً بسعي النواب لذلك. وقال النمري: "سنواصل جهودنا، ولن نتوقف، وسنوجه نداء إلى جلالة الملك بالتدخل، ﻷن الصيغة المقترحة تعاكس وتخالف كل مطالب الحراك الشعبي." ويشير مراقبون إلى أن قوى "الشد العكسي"، ومراكز القرار المحسوبة على ما يسمى "بالتيار المحافظ"، أو "الحرس القديم"، تقف وراء توجه مجلس النواب ﻹقرار تلك الصيغة. وحول ذلك، علق النمري بالقول: "لا أستطيع الجزم بأن اللجنة قد تعرضت لضغوطات، لكن الموقف هو صدى لدوائر القرار خارج اللجنة وخارج المجلس.. وللأسف لا يوجد أغلبية مؤيدة للصوت الواحد، والأقلية تدعم أكثر من صوت للدائرة، وسنواصل الضغط، وكل واحد مسؤول عن موقفه عند إجراء الانتخابات." وأوصت "القانونية النيابية" برفع عدد مقاعد مجلس النواب إلى 140 مقعداً، موزعين على 108 مقاعد على 45 دائرة انتخابية، و15 مقعداً ل"الكوتة النسائية"، يضاف إليهم 17 مقعداً لقائمة وطنية نسبية مغلقة. وجاءت الصيغة مغايرة للمشروع الذي قدم لمجلس النواب في عهد حكومة عون الخصاونة السابقة، وأوصت بصيغة ثلاثة أصوات، بواقع صوتين للدائرة، وصوت للقائمة الوطنية. في اﻷثناء، رفض النائب المخضرم ممدوح العبادي أن تصل حدة الخلافات في وجهات النظر إلى الإساءة، مشيراً إلى أن لكل نائب في البرلمان موقفه من قانون الانتخابات، وعليه "أن يخوض معركته" لتثبيت موقفه. ورغم ما اعتبره العبادي أن الصيغة التي اقترحتها اللجنة القانونية "لا تحل إشكالية" التمثيل في البلاد، إلا أنه أشار إلى أن المناقشات بالنهاية، وتصويت المجلس، هو من سيقرر الصيغة النهائية. ولم يخف العبادي أن الجدل الساخن حول القانون، مرده إلى "تباين المواقف بين التيارات الشرق أردنية والغرب أردنية"، مشيراً إلى أن بعض التوجهات كانت لصالح تعزيز تمثيل المناطق السكانية، من خلال إعادة ترسيم الدوائر الانتخابية، إلا أن ذلك لم ينجح. وتحفظ العبادي على موقف الحراك الشعبي في الشارع الأردني الرافض لصيغة اللجنة القانونية، قائلاً إن الحراك جاء متواضعاً، رداً على قرار رفع الحكومة للأسعار، مشيراً في الوقت ذاته، إلى ضرورة التدرج في تطوير قانون الانتخابات. في المقابل، يرى مراقبون أن حالة التأزيم السياسي التي انتقلت للبرلمان، هي انعكاس لتنافر قوى الشد، أو ما يسمى بالحرس القديم، والمطالبات في الشارع. وقال المحلل السياسي الدكتور محمد أبو رمان، لCNN بالعربية، إن المخرج لحل الأزمة السياسية في البلاد، هو تدخل العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، في الوقت الذي "يختطف فيه الحرس القديم المشهد السياسي، على مستوى تقديم الاستشارات لمستويات القرار، وعلى مستوى رئيس الحكومة"، على حد تعبيره. وقال: "هناك من يريد تمرير القرار وممارسة الإرهاب الفكري لمن يخالف المطالبة بما هو خارج إطار الصوت الواحد، وهناك تعبئة وتحريض ضد النواب، وهناك ضغط واضح، وهي عملية ترهيب فكري وسياسي، انتقل من الشارع إلى قبة البرلمان." وحذر أبو رمان من استمرار حالة التأزيم السياسي، رغم ما اعتبر أن الخلاف في مجلس النواب قد يدفع بحالة انفراج رسمية. وعلق على جلسة النواب بالقول: "وإن كان ما حدث هو غير مسبوق، لكن للمرة اﻷولى تظهر نخبة عقلانية من السياسيين، ترفض الصيغة الحالية للجنة.. والحالة المشحونة بمثابة جرس إنذار لمن هم خارج الحرس القديم، تفيد بأن الأمور تسير باتجاه سيء." وكانت حكومة رئيس الوزراء الدكتور فايز الطراونة، قد قوبلت برفض شعبي عند تكليفها نهاية أبريل/ نيسان المنصرم، عقب استقالة مفاجئة لحكومة عون الخصاونة، بسبب خلافات مع مؤسسة القصر، فيما تتمسك القوى السياسية المعارضة بالإصلاح السياسي، وبقانون انتخابات توافقي. ومن المقرر أن ينهي مجلس النواب مناقشاته حول القانون قبل انتهاء الدورة العادية للمجلس في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، حيث رجحت مصادر سياسية إجراء الانتخابات في شهر ديسمبر/ كانون الأول من العام الجاري، بعد مرور عامين فقط من عمر المجلس النيابي الحالي.