مكة أون لاين - السعودية القوة مع الحكمة نعمة.. قالها سلطان بن عبدالعزيز، رحمه الله.... مع هذا البذل السخي.. ما الذي ينقصنا؟ كان ذلك قبل ثلاثة عقود، في الجامعة حين أبلغتني سكرتارية مكتبي أن هناك زائرا شابا يرغب في مقابلتي، ولكنه يرفض التعريف عن هويته لأنني لا أعرفه، كما يرفض إبداء أسباب هذه المقابلة لأنها خاصة. الفضول وحده دفعني لأن أعرب لهم عن رغبتي في مقابلته، ودخل عليَّ إثرها شاب في مقتبل العمر، ورغم بريق الذكاء الذي كان يشع من عينيه إلا أن شيئا من مؤثر آخر كان يخالط هذا البريق. ما الذي ينقصنا؟ كان واضحا أنه تحت تأثير مخدر ما – أيا كان نوعه - إلا أنه واضح للعيان، وحين تحدث إليَّ تأكدت شكوكي بأنه تحت تأثير مخدر ما، كان لسانه ثقيلا وهو يتحدث. ولكنني لم أعر هذه المسألة انتباهي، لأن ما كان يقوله استحوذ على اهتمامي بشكل أقوى، فأنا في نهاية المطاف مجرد أستاذ جامعي، ولست شرطيا أو وكيل نيابة، وليس من ضمن واجباتي أن أقوم بدورهما أو أتقمص وظيفتيهما! لقد لفت ذلك الشاب نظري إلى مسألة في غاية الخطورة. قال لي – وأبرز المستندات التي تؤكد دعواه - بأنه وبجهده استطاع أن يحقق مجموعا ونسبة تؤهله للدخول إلى الجامعة، إلا أن حلمه هذا لم يتحقق، ورغم هذا، التحق زميله الذي كانت نسبته أقل منه في الدخول إليها، لأنه يملك «الواسطة» التي تمكنه من ذلك! كان الشعور بالمرارة التي يقول بها ذلك، وهو تحت تأثير مخدر ما، ظاهرا واضحا ومؤلما. ثم أردف لقد جئت إليك لأنني سمعت بأنك يمكن أن تساعد أمثالي! بهذا أنا لا أبرر لذلك الشاب اليافع وقوعه في شباك مروجي هذه السموم والمخدرات، كما لا أبرر له انتحاره إذا ما وقع يوما ما تحت تأثير مروجي المخدرات الفكرية، الذين يعطونه أملا ما في الجنة والحور العين إذا ما فخخ جسده أو فجر نفسه في سيارة عبئت بالمتفجرات مقابل مجمع سكني ما، أو قام بإطلاق الرصاص على شرطي ترك عياله وأهله ليسهر على أمن الأبرياء. لا أقول هذا لأبرر كل هذه الفظائع والشنائع والجرائم، ولكن أقوله داعيا إلى تعمق النظر لتفاديها. وأسأل نفسي: ما الذي ينقصنا؟ هذا ما سألته قبل أيام على هذا الموقع حين قلت: ما الذي يجعل أولادنا، وأصر على أنهم أولادنا رغم هذا الحقد الذي يكنونه للجميع وهذه القسوة في الانتقام منا، ما الذي يجعلهم قابلين على هذا النحو السيئ من التوظيف ضدنا جميعا؟! ثمة شيء خطأ يومها، وبعد مقابلة هذا الشاب المخدر، كتبت محذرا مقالة بعنوان حتى لا يتحول شبابنا إلى إرهابيين. لأنني رأيت نار المستقبل تحت شرارة هذا الصبي أو الشاب اليافع، وتوقعت بأنه إذا خضع اليوم لتأثير المخدرات، فإنه في الغد سيخضع لتأثير أشد فتكا. وقد استبان لي حينها هذا الخطر حين أديت فريضة المغرب بمسجد الأمير متعب في جدة قبل «ثلاثة عقود»، وكانت هناك محاضرة قدمها الشيخ مسفر الحوالي، لاحظت أن المسجد ضاق يومها بالمصلين، وكانت السيارات تملأ الشوارع، وأغلب الحضور شباب في مقتبل عمر ذاك الشاب، وكانت المحاضرة مشحونة بلغة عاطفية ذات تأثير يمكنك تلمسه، لغة عاطفية محرضة ضد الآخرين. لغة تدغدغ المشاعر والغرائز البدائية ولكنها لا تلامس العقل ولا تحرض الفكر. ثمة شيء خطأ هنا، قلت في عقلي. لأن الإسلام دين فكر وقول وعمل. وكان هذا ما دعاني إلى كتابة ذاك المقال. والآن دعونا نعود إلى ذاك الشاب الذي يشعر بالمرارة والغبن والقهر لأن فرصته الشرعية، وحقه الطبيعي، قد أفلتا منه ومن أسرته التي كانت تنتظره استثمارا مستقبليا ليضعها في واجهة المجتمع، وهذا حق طبيعي له ولأسرته، طالما بذل وبذلت عائلته في سبيل تحقيق هذا الهدف كل الاستحقاقات. ما الذي نتوقعه منه؟ إما أن يقع تحت تأثير مروج مخدرات.. أو مروج مخدرات فكرية باسم الدين يستثمر ويوظف هذا البؤس والغضب والحقد. أعرف أن هناك من يجيد القراءة الخطأ لمثل هذا القول، بل ومن يروج لمثل هذه القراءة الخطأ، ولكنني أكدت، وسأظل أؤكد بأنني لا أجد مبررا، لا لتعاطي المخدرات، ولا للإرهاب بكل أشكاله. ولكنني أعتقد بأننا نحتاج إلى الشجاعة الأخلاقية اللازمة لتشخيص أمراضنا الاجتماعية قبل وضع الحلول والمعالجات لها، فبهذا ننقذ أنفسنا أولا، ونحمي مجتمعاتنا من نتائج وآثار هذه الأمراض المدمرة، وننقذ من يحملون هذه الأمراض، وننقذ مستقبل عيالنا، وهي مسؤولية دينية ووطنية في المقام الأول والأخير.