عبدالعزيز الخضر مكة أون لاين - السعودية التعامل مع الأفكار الموبوءة، لا يختلف عن التعامل مع المواد الخطرة، فتناولها بحاجة إلى خبرة وأساليب واعية لهذه النوعية من الخطاب، فليس سهلا القرار بعرض عينات من هذه الأفكار على جمهور واسع، دون استحضار العديد من الجوانب، فأي خلل في تصور القضية ورؤية مختلف الشرائح الاجتماعية لها ستكون كلفته عالية على المجتمع، لا تظهر آثاره إلا في مدى زمني طويل. مشكلة التشدد المستمرة أن تعريته ارتبطت بتعرية أخطائنا العديدة التاريخية والمعاصرة في مجالات عدة بدءا من التعليم ونوعية الخطاب الديني والثقافي إلى البرامج الإعلامية. اللقاء دائما مع أي سجين في أي قضية له حساسية خاصة في ذهنية المشاهد، مهما كانت قضيته، فالضيف يفقد شيئا يملكه المحاور، خاصة أنها حوارات ليست مباشرة. وسيكون البعض في صف الأضعف..في الحوار. وإذا تجاوزنا هذا الإشكال من أجل مصلحة أخرى، وهي عرض الأفكار المتطرفة وطرق التفكير لدى بعضهم، وخطابهم كنموذج يواجه المسؤول الأمني في إشكالية التعامل معهم، فإن توسيع دائرة عرض هذه الأفكار بدون تصحيح في الوقت نفسه له ضريبته. مشكلة ردود الفعل على مثل هذه اللقاءات أنها تأتي بصورة انطباعية، متأثرة بتضخيم جانب على آخر، وفقا لأولوياته طرف وليس لأوليات القضية ذاتها والمصلحة العامة. فإذا كنت إعلاميا أو صاحب قناة أو صحيفة فستعتبر هذا العمل مهما وشيئا عظيما، وستنظر إليه كخبطة إعلامية كبيرة لصالحك، وهي نظرة صحيحة في العرف الإعلامي، ومكسب لأي قناة أو جريدة يتاح لها مثل هذا. وإذا كانت الرؤية من جانب المتأثر بهذا التيار، فسيعتبره غير أخلاقي وتحت الضغط لتشويه تنظيمه، وتشويه السجناء الذين لا علاقة لهم بهذا الفكر. ولأن هذا النوع من التطرف ارتبط برؤية دينية، فإن كثيرا من الفئات المتدينة وخاصة التي تنتمي إلى تيارات ناشطة في الدعوة، قد ترى أنه محاولة تشويه التدين. أما الكاتب والمثقف فقد تتضخم لديه فائدة الاطلاع على نماذج من هذا الخطاب ليوظفها في نقده الفكري والاجتماعي. لكن للمسؤول وصاحب القرار أوليته في رؤية المصلحة المتصلة بمسؤوليته عن المجتمع والمحافظة عليه، وهو يقرر في أوقات تحت ضغط ظرف معين، تتضخم فائدة آنية تفرضها المرحلة في نظره. ليست هذه المرة الأولى التي يعرض فيها حوارات من هذا النوع، فقد عرضت قديما تجارب مختلفة، ومنها حوار ما عرضته القناة الأولى قبل أكثر من عقد حول تراجعات الخضير والفهد والخالدي، وكان حينها حضور مواقع التواصل غير موجودا كما هو اليوم. فقد كان لتلك الحوارات كتراجعات رسالة محددة المحاور والهدف منها، لكن الإشكال في برنامج الثامنة هذه المرة مختلف وأكثر تعقيدا. فالبرنامج جماهيري جدا وطبيعته مختلفة، يعالج عادة هموم أخرى اجتماعية وخدماتية ومشكلات المجتمع اليومية، والمحاور يمتلك مهارة خاصة لهذا النوع من المشكلات التي تناسب شخصيته الإعلامية بتلقائيته التي هي أحد أقوى عوامل نجاحه. فهل هذا النوع من البرامج مناسب في تناول هذه القضايا ذات الحساسية الدينية والسياسية، لشخصيات وعيها الديني مشوش وملتبس مع مقولات وآراء فقهية لها حضورها في الخطاب الفقهي، مما قد يسهم في نقل هذا التشويش إلى مستويات أوسع، وفئات لا تدرك أين الإشكال الفكري والفقهي في حقيقته. في الحوار مع وليد السناني من قبل وخالد المولد في الأسبوع الماضي، الحضور هنا مختلف، فهو ليس تراجعا، فالضيف متمسك جدا بفكرته، ويدافع عنها بصلابة، وقد تجعل بعض الصغار يعجبون بشجاعتهم وقوتهم واعتدادهم برأيهم، وعدم خوفهم بالرغم من المدة الطويلة في السجن. جزء من هؤلاء ليست مشكلته سياسية مشغولة بأمريكا والطغاة وغيرها من الشعارات، وإنما مشكلته فقهية في الرأي الفقهي وأسلوب إنكار المنكر، وتكرار كلمة «حنا مع علمائنا» في البرنامج وغيره لم تعد صالحة في هذا العصر..كرقية شرعية بنفس فعاليتها قبل عقود. صحيح أن الحوار الذي تطغى عليه شخصية داود الجذابة بلهجته المحلية «مهب تسذا يا ابن الحلال» تجعل ساعة المشاهدة ممتعة، وقد ينسى الكثير منهم خطورة القضية ذاتها، وكأنه يشاهد مقطعا من مسرحية غير كاملة في حواراتها، فقدت بعض فصولها في تعرية هذا الخلل الفكري.