عبدالله بن محسن النمري* مال الاقتصادية - السعودية ناقشت في المقال السابق أهمية مؤسسات المجتمع المدني كشريك أساسي للحكومات في تطوير المجتمعات و تنظيمها، وتعزيز مشاركة الأفراد في خططها التنموية، والدور المهم التى اضطلعت به مؤسسات المجتمع المدني – حديثا – في مجال تعزيز النزاهة و مكافحة الفساد. و ما أشارت إليه – في هذا الصدد – إتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد UNCAC في المادة 13. و قد حرصت المملكة العربية السعودية على مشاركة المجتمع الدولي إهتمامه في حماية النزاهة و محاربة الفساد ، و تمثل ذلك – فعلا – في القرار المكلي الكريم رقم 43 بتاريخ 1/ 2/ 1428 للهجرة القاضي بالموافقة على الإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد التي أجملت دور مؤسسات المجتمع المدنيالسعودي في حماية النزاهة و مكافحة الفساد. أشرت في المقال السابق – كذلك – إلى أن مؤسسات المجتمع المدني تصنف وفقاً للهدف الذي أسست من أجله ، و طبيعة العمل الذي تقوم به، فالغرف التجارية والصناعية ، المؤسسات الخيرية ، و جمعيات حقوق الإنسان من أمثلة مؤسسات المجتمع المدنيالسعودي المختلفة. و بشكل عام ، فإن لمؤسسات المجتمع المدني –بمختلف إختصاصاتها – دور مشترك في تعزيز و حماية النزاهة و مكافحة الفساد ، يتمثل هذا الدور في تعزيز الشفافية والنزاهة فيبيئة العمل الخاصة بالمؤسسة و الجهات التي ترعاها و تمثلها ، و توعية المجتمع – أو الفئة التي تخدمها المؤسسة على أقل تقدير – بمخاطر الفساد وأسبابه و آثاره. أما مؤسسات المجتمع المدني التي أسست لغرض تعزيز النزاهة و مكافحة الفساد فيقع على عاتقها دور أكبر لإختصاصها ، و من أمثلة ذلك الدور : دراسة ظاهرة الفساد و إبداء المرئيات والمقترحات التي تسهم في الحد منه. و كنت قد إقترحت في أحد المؤتمرات المتخصصة أن تعمل الجهات المعنية بمكافحة الفساد في دول مجلس التعاون الخليجي على تعريف الفساد تعريفا مانعا جامعا لما في ذلك من أهمية بالغة في تحديد آليات مكافحته بالتبعية. و من أمثلة دور مؤسسات المجتمع المدني المتخصصة أيضا : تنظيم المؤتمرات و ورش العمل التي تعنى بتعزيز أنظمة المساءلة و النزاهة و الشفافية و العدالة ( عناصر الحوكمة الأربعة ) ، و بناء تحالفات و شبكات إقليمية ووطنية مع الأجهزة المعنية بحماية النزاهة ومكافحة الفساد ،والتنسيق معها لتبادل المعلومات و نقل الخبرات و الإستفادة من التجارب. إن إستمرار و تطور مؤسسات المجتمع المدني السعودي ، و ضمان تحقيقها للأهداف التي أسست من أجلها منوط بعوامل عدة ، منها ما يتعلق بتنظيم المؤسسة من الداخل ، كوضوح أهدافها و آليات الوصول لها ، و حوكمتها ، و كفاءة القائمين عليها من مجالس إدارات و أمانات عامة ، و عوامل أخرى تتعلق بالبيئة التي تعمل فيها مؤسسات المجتمع المدني السعودي، و التشريعات التي تنظم عملها . و بشكل عام ، فإن مما يضمن قيام مؤسسات المجتمع المدني السعودي بالدور المطلوب منها على أكمل وجه يتلخص في توفير الدعم المالي والعيني والمعنوي لها ، وحث الأفراد منشآت القطاعين العام و الخاص على التعاون معها ، و تسهيل حصولها على المعلومات والبيانات التي قد تحتاج لها في الأبحاث و الدراسات التي تجريها. بالإضافة إلى تطوير الأنظمة واللوائح التيتنظم أعمال مؤسسات المجتمع المدني بما يمكنها من أن تكون قوية ومؤثرة مع ضمان استقلاليتها. كما أن على جميع مؤسسات المجتمع الدولي التعاون فيما بينها لتبادل المعرفة و الخبرة ، و زيادةكفاءتها وفاعليتها ، والحد من ازدواجية الأدوار. ختاما إن من حسن صياغة الإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد هو إجمالها لدور مؤسسات المجتمع المدني السعودي في حماية النزاهة و مكافحة الفساد ، وعدم تقييدها بأدوار محددة ، ما يتيح لها أن تبدع في مبادراتها و أنشطتها و برامجها. و أرى أن تعزيز النزاهة و حمايتها مقدم على مكافحة الفساد لأن "الوقاية من الفساد خير من العلاج". *الأمين العام لمؤسسة سعفة القدوة الحسنة