الحياة - سعودي في مفهومنا الشعبي، تطلق كلمة عيال الحمايل (وهي كلمة نجدية صرفة) على أبناء العائلات المعروفة، (ويقولون مثلاً: فلان ولد حمولة أو فلانة بنت حمولة)؛ إما لكثرة أعدادها أو لكثرة مالها أو لتاريخها الوطني أو لأسباب كثيرة لا مجال لسردها الآن. وغني عن القول أن المصطلح خطأ كبير بحد ذاته، ففي الوجدان الكلمة تعني الفخر والاعتزاز وتعني أن هناك من هم ليسوا بعيال حمايل. طبعاً، في المجالس العامة والولائم والزيارات بين الناس، يتم -أحياناً- تداول المسمى ويمر مرور الكرام وكأنما قد حسم الأمر، وهو فرض واقع بدأ قديماً وتقبله حتى من تضرر منه بشكل معنوي، إلا أن تداوله بشكل رسمي لم يحدث لحسن الحظ. قبل أشهر، وأثناء استعداد أحد اللاعبين المعروفين للمشاركة من دكة الاحتياط إلى الملعب، قال المعلق الرياضي في القناة السعودية: (مرحباً به هذا ولد الحمايل). المذيع كان متحمساً ولم يقصد الإساءة إلى الآخرين ممن لم يطلق عليهم هذا المسمى، إلا أنه بشكل أو بآخر قد أساء فعلاً من حيث لا يدري، وهي ثقافة اكتسبها من المجتمع الذي أوحى أن هناك فعلاً أولاد حمايل، وفي المقابل من هم ليسوا بأولاد حمايل. قد يظن بعضهم أنني أبالغ، ولكنها قصة حدثت (قبل أعوام طويلة إحقاقاً للحق) فعلاً لشخص أعرف قريباً له، إذ ارتكب مخالفة كبيرة وأحيل إلى الجهة الاختصاص، وبعد وصول القضية إلى المسؤول قال بالحرف الواحد: (ما بقي تتهمون إلا عيال الحمايل ورفض الادعاء إلا بعد أن خففوا التهمة عليه). على المقاييس نفسها تتم تفرقة ما بين المناطق، فبعض المناطق تشعر بزهو داخلي تجاه منطقة أخرى، من دون مبرر معقول أو منطقي، في خلط واضح بين الاعتزاز بالمنطقة وبين التعالي على غيرها، ولا ريب أن كل ذلك يمكن تفسيره بنطاق العنصرية، التي تستشري لدينا في وقت تخلص منها الإسلام قبل أكثر من 1400 عام. في مصر، يتداول على نحو مشابه هذا الاسم بقولهم: (ابن ناس أو ابن عيلة محترمة)، وفي الماضي (ابن ذوات)، وكل هذه المسميات ساذجة، فهل هناك عائلة محترمة وأخرى غير محترمة؟ طبعاً لا، وما يوجد هو إنسان محترم أو غير محترم. لكي نشعر أننا نعيش في عصر مدني وحضاري، يجب أن نتخلص من هذه المسميات، ومن يحلو له الوضع منا يجب أن يعي أن لا قيمة للمسمى، فهو لا يغني ولا يسمن من جوع. القضية لا تقتصر على السعودية أو دول الخليج أو الدول العربية، بل حتى الهند هناك الطبقية المفرطة، أما في أميركا وأوروبا فلا يعلنونها، ولكنها تتضح للعيان من خلال التزاوج بين الأسر الكبيرة في ما بينهم، وتعاليهم، إلى حد ما، على الأسر الفقيرة. هناك أشياء لا تدرس، ولكننا نتعلمها في منازلنا وفي مجتمعاتنا، ويحدث من خلالها كثير من المواقف التي يشعر معها بعضهم بالظلم؛ بسبب أنه لا ينال الفرصة التي ينالها ابن الذوات (كما يقول إخواننا المصريون). طبعاً، قد تنكسر هذه القواعد عندما يزداد الرصيد البنكي للشخص، فيتناسى الآخرون كونه من هذه العائلة أو تلك، فالمال يصنع العجائب. وربما لم يسمع الجيل الحديث بقصة إدوارد كندي شقيق الرئيس الأميركي جون كندي، الذي غرقت معه سيدة وهما بالسيارة نفسها، بينما نجا هو من الحادثة، ما الذي أخرجه كالشعرة من العجين؟ إنما هو كونه ابن آل كنيدي الأسرة العريقة في أميركا. قبل أيام، حدثت قصة تتعلق بموضوعنا عندما أطلق شخصية عامة وصف طرش -وهو نعت عنصري يطلقه من يريد الإساءة إلى مواطن أصوله القديمة من خارج المملكة أو يظن ذلك- على أحد الزملاء الإعلاميين على إثر خلاف على موضوع رياضي. لن أناقش الموضوع نفسه فقد رفضته جميع الأوساط، وعلى رأسهم خادم الحرمين. ما أود إضافته هو أن قانوناً لتجريم الطائفية والعنصرية بات ضرورة ملحة، وتأخُّر إقراره سيزيد الطين بلة. وأشير هنا إلى مشروع قانون لتجريم العنصرية سبق أن تقدم به الدكتور زهير الحارثي قبل أعوام قبل أن يصبح عضواً للشورى، إلا أنه لم يُوافَق عليه آنذاك. وأثير مجدداً عن طريق العضوين سعد مارق وعبدالعزيز العطيشان، ثم أخيراً عن طريق العضو محمد رضا نصرالله. أتصور أن الوقت أصبح مناسباً أكثر؛ لإقرار القانون، وأظن أن هناك لجاناً تعمل على هذا القرار المهم. [email protected] للكاتب