د. عبد العزيز الغدير الاقتصادية - السعودية يقام معرض الرياض للعقارات والإسكان والتطوير العمراني في الفترة من 26 إلى 29 نيسان (أبريل) 2015 وهي فترة يمر فيها العقار ب"صراعات" ولا أقول "حوارات" بين عناصر السوق العقارية من ملاك أراض ومطورين وممولين ومستفيدين وجهات منظمة وصناع رأي ومستفيدين على خلفية المشكلة الإسكانية التي باتت قضية رأي عام تحتل مكانة في أعلى سلم أولويات الحكومة، الأمر الذي أكده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في خطابه الذي وجهه للشعب السعودي في الشهر الماضي بقوله - حفظه الله - "بالنسبة للإسكان فإننا عازمون - بحول الله وقوته - على وضع الحلول العملية العاجلة التي تكفل توفير السكن الملائم للمواطن". السوق العقارية في المملكة تعتبر من كبريات الأسواق في المنطقة إضافة إلى كونها الأكبر في المملكة بعد قطاع النفط والغاز وهي سوق تمس حياة كل مواطن بأكثر من صورة، ذلك أن المنشآت العقارية بأنواعها كافة وتخطيط المدن أو الأحياء المقامة عليها تلعب دورا كبيرا ومهما وحيويا في التنمية بجميع أبعادها تحفيزا أو تثبيطا، ولذلك فإن المعارض العقارية في المدن الرئيسة في المملكة تشهد إقبالا هائلا من جهة العارضين والرعاة ومن جهة الزوار بفئاتهم كافة كما تشهد اهتماما كبيرا من جميع وسائل الإعلام التي تبحث عما هو جديد ويهم القارئ والمشاهد والمتصفح سواء كان باحثا عن السكن الملائم ليشتريه أو ليؤجره أو باحثا عن فرصة استثمارية ليغتنمها، خصوصا أن السوق العقارية تشكل قناة استثمارية هائلة قادرة على استيعاب مدخرات المواطنين في ظل غياب قنوات فاعلة أخرى. صحيح أن مهمة المعارض العقارية الرئيسة هي أنها تسهل للمستثمر أو التاجر وللمسوق أو المصنع أو الباحث عن منتج أو خدمة أن يجد المطلوب بسرعة وأن يطلع على أحدث ما هو موجود في الأسواق والتعرف على متطلبات السوق، إلا أن ذلك لم يعد كافيا في السنوات الأخيرة حيث بدأ منظمو المعارض الالتفات إلى حاجة الزوار والمهتمين والمعنيين بأنشطة فاعلة على هامش المعارض العقارية تتطرق لأهم مستجدات هذه السوق والتباحث أو التحاور في أهميتها وآثارها وكيفية التعاطي الإيجابي معها بما يسهم في استدامة التنمية العقارية لتلعب دورها الكبير المنشود في التنمية الشاملة والمستدامة بجميع أنواعها الاقتصادية والاجتماعية والصناعية والسياحية والرياضية والصحية في البلاد. السوق العقارية تمر منذ أكثر من ثلاث سنوات تقريبا بمرحلة ضبابية زادت بشكل كبير بعد قرار فرض الرسوم على الأراضي في النطاق العمراني، وهناك الكثير ممن يظنون أنها يجب أن تستمر في الركود لحين تنخفض أسعارها لأنها ارتفعت بشكل مبالغ فيه في السنوات الماضية بالتزامن مع ارتفاع أسعار النفط فوق المائة دولار وهؤلاء يعملون على ذلك بجميع الوسائل المتاحة ويدعون الحكومة لتركيع السوق بالقرارات وغيرها مهما كانت الآثار الجانبية في الاقتصاد الكلي، وهو أمر يرفضه المستثمرون في القطاع العقاري الذين يدعون لترك السوق تعمل وفق قواعد السوق الحرة كما هو حال بقية الأسواق ويدعون لحل المشكلة الإسكانية بتعزيز قوة عناصر السوق العقارية لتلعب دورها التطويري والتمويلي ليتمكن المواطن من شراء المسكن الملائم بما يتناسب ودخله بتحويل ما يدفعه من إيجارات إلى أقساط وذلك بالتزامن مع تحقيق دورها التنموي. ضبابية السوق والخشية من انخفاض أسعار العقارات دفعتها مؤسسة النقد لزيادة مقدم التمويل الذي تقدمه المصارف ل 30 في المائة وهو قرار أصاب القدرات الشرائية للمستفيدين في مقتل، حيث انخفضت القروض العقارية بشكل كبير تجاوز 80 في المائة وهو ما أدى إلى انخفاض مبيعات المساكن بشكل كبير في فترة وجيزة وإحجام المطورين عن الاستثمار في مجال تطوير المساكن الأمر الذي قد يوجد فجوة بين المعروض والمطلوب مستقبلا ذات أثر سلبي في أسعار الإيجارات والمساكن من جهة المستهلكين. ولو تركنا كل ذلك وتوجهنا لقضية أخرى تخص القطاع العقاري في بلادنا وهي نوعية التطوير السائدة للأحياء السكنية التي لا تراعي أيا من الأبعاد المهمة والحيوية للأحياء السكنية كالأبعاد الاجتماعية والصحية والنفسية والبيئية والأمنية، حيث يتركز الاهتمام في تطويرها على عدد قطع الأراضي التجارية التي يمكن أن تحقق عوائد أكبر للمطور، وهي قضية يجب أن ينظر إليها بجدية لنخرج من المخطط الشبكي النمطي الذي يتم تطويره جزئيا من أكثر من مطور على مراحل تمتد إلى 30 سنة وأكثر دون مراعاة لاحتياجات سكانه من جهة الحركة والخصوصية والذائقة العامة والحد من التلوث السمعي والبصري وتلوث الهواء الذي بات إحدى سمات معظم الأحياء السكنية. قضية أخرى أثارها البعض وهي ارتباط القطاع العقاري بالاقتصاد الكلي وأثره في جميع القطاعات، وأثره في معدلات الاستهلاك والادخار وتوظيف واستثمار المدخرات في التنمية، وكذلك أثره في تعزيز التزام الموظفين بالأداء العالي في عملهم، وأثره في تنمية مبادرات الأعمال الصغيرة والمتوسطة، وأثره في أسعار السلع والخدمات، وغير ذلك من الارتباطات. والسؤال هل معارضنا العقارية يجب أن تتحول من الرتابة التي باتت سمة من سماتها إلى الحيوية الفاعلة، حيث تصبح أنشطتها المصاحبة تتطرق لقضايا العقار القائمة كالتي ذكرتها والمتوقعة مستقبلا وكيفية التصدي لها بفاعلية وبعلمية ومنطقية تعتمد على الدراسات والبحوث والآراء النيرة من الممارسين والمهنيين والضالعين في القطاع العقاري محليا ودوليا أم أنها تبقى على رتابتها؟ يبدو لي أنه حان الوقت لتثير المعارض العقارية جميع القضايا القائمة والمستقبلية وتدعو المعنيين كافة خصوصا رجال الأعمال المنغمسين في الاستثمار العقاري لطرح آرائهم العلاجية بحضور الجهات المنظمة وصناع الفكر والرأي والاقتصاديين لاختصار الوقت والجهد في تعزيز دور السوق العقارية التنموي الذي ننشده جميعا.