د. مرزوق الرويس الاقتصادية - السعودية الثقافة هي اكتساب المعرفة التي يستخدمها الأشخاص لتفسير التجارب الحياتية وتوليد السلوك الاجتماعي لديهم. وهذه المعرفة هي التي تشكل القيم وتطور الإدراك اللذين يؤثران في سلوك الشخص المتلقي لهذه المعرفة. والذي يحدد مدى فعالية التأثير هو جودة المعرفة المقدمة وشموليتها، فكلما كانت المعرفة محددة كان هناك تقنين للقيم والإدراك في الجوانب السلوكية للأشخاص - والعكس - في حال أن المعرفة كانت شاملة فإنها ستعطي قيما وإدراكا أشمل مما يؤثر إيجابا في السلوكيات الشخصية. والتعليم هو تقديم المعرفة والمعلومات للأفراد من أجل إيجاد قيم عامة وتوسيع الإدراك لدى الأشخاص، ما سيسهم في تطوير المستوى الثقافي والسلوك الاجتماعي والوضع الاقتصادي للفرد ثم المنظمات. وبذلك فإن التعليم هو الوسيلة للوصول إلى الثقافة التي تؤثر في السلوك الاجتماعي والتطور الاقتصادي. وهكذا فإن التعليم من خلال الثقافة في الوقت المعاصر يعتبر الركيزة الأساسية للتطور في المجتمعات والاقتصادات في العالم. في المملكة، محدودية شمولية النظام التعليمي أدت إلى عدم تجانس في الثقافة المحلية، فقياس جودة التعليم تتمحور حول تأثير مخرجاته في الاقتصاد الوطني، الأمر الذي جعل معظم الأفراد يعتقدون أن تلقي التعليم سيساعد على تطوره من الجانب الاقتصادي فقط. حيث إن نتيجة تعليم الفرد السعودي أصبحت الحصول على وظيفة مناسبة تساعده على تحسين وضعه الاقتصادي. بينما الجوانب الاجتماعية والثقافية لم تكن ذات قيمة عالية في النظام التعليمي. هذا بدوره أوجد لدينا مشاكل كثيرة في قيم المجتمع السعودي. اختلاف القيم شكل لدينا مجموعات مختلفة تدعو إلى قيم محددة. وهذا أدى إلى جدالات سلبية حول اختلافات الرأي والفكر التي لعبت دورا رئيسا في عدم تجانس ثقافة المجتمع المحلي أولا وضعف في السلوك الاجتماعي والاقتصادي ثانيا. محدودية النظام التعليمي في دعم الثقافة المحلية للمجتمع، أدت إلى عدم وضوح القيم الصحيحة لدى معظم الأفراد في المجتمع السعودي. فعلى سبيل المثال، بعض الأشخاص اتخذوا من قيم العادات والتقاليد أساسا لصقل ثقافتهم حتى أصبح لديهم تصنيف ثقافي أقل مما لدى من يختلفون عنهم في قيم عاداتهم وتقاليدهم. وآخرون اتخذوا قيم مجتمعات ثقافية أخرى كأساس لتكوين ثقافتهم الأمر الذي جعل هؤلاء الأشخاص يقدمون الانتقادات السلبية لمجتمعنا المحلي، وغيرها من الأمثلة التي عززت الاختلافات في القيم الثقافية للمجتمع التي كونت أساليب اجتماعية مختلفة أدت إلى عدم تجانس اجتماعي أثر أولا في المجتمع السعودي وثانيا في الاقتصاد الوطني. تقنين الهدف التعليمي في أن يكون فقط للتدريس لن يكون فعالا في تطوير كفاءة الأفراد في المجتمع. فالتعليم يحتاج إلى أن يسعى لتقديم المعرفة وأساليب الوصول إليها ثم رفع سقفها حتى تشمل جميع الاختلافات في القيم الثقافية لدى مجتمعنا المحلي. هذا سيعطي تجانسا أكثر في السلوك الاجتماعي والتطور الاقتصادي مع مخرجات التعليم وجودتها. فرفع قيم المجتمع الثقافية سيساعد الأفراد على إعطاء التفسير الصحيح لتجارب غيرهم ممن لديهم قيم مختلفة، وسيسهم في تفهم بعضهم للآخر. ونتيجة لهذا سيكون هناك تقليل في الانتقادات السلبية الضارة بين أفراد المجتمع وتحسين السلوك الاجتماعي. وبهذا فإن المؤسسات التعليمية والمسؤولين عنها يحتاجون إلى إعادة النظر في تكوين رؤى استراتيجية للنظام التعليمي لتكون ثقافية أكثر من كونها تدريسية أو تربوية. فجعل الثقافة العامة رؤية للنظام التعليمي، سيجعل المنظمات التعليمية تسعى للتركيز على أساليب المعرفة للأفراد بدلا من تلقينهم أو تعليمهم. هذا سيضمن اكتساب الأفراد سبل الحصول على المعرفة التي تهمهم ما سيؤثر إيجابا في توسيع مداركهم في الأساليب الاجتماعية، بحيث إن القراءة والكتابة والحوار والنقاش مع التفكير ستكتسب كمهارات وتصبح عادات للأفراد في المجتمع. هذا سيؤدي إلى توسع طرق الحصول على المعلومات العلمية بدلا من الاعتماد على المناهج الدراسية فقط، وهذا بدوره سيوجد بيئة تنافسية بين المنظمات التعليمية لرفع جودة محتوى نظامها التعليمي، الذي سيعزز من بذل الجهود للمحافظة على جودة المحتوى التعليمي للبقاء في المنافسة. هذه المعادلة ستسهم في نشر محتويات النظام التعليمي خارج أسوار المنظمات التعليمية ما سيوجد توسيعا للإدراك الذي سيكون تجانسا اجتماعيا. وبهذا التجانس سيقدم النظام التعليمي عن طريق محتوياته ومخرجاته حلولا جديدة متعلقة بالمشاكل الاجتماعية كالبطالة والتستر والسرعة إضافة إلى احترام القوانين وغيرها التي سترفع من كفاءة وفعالية المؤسسات الحكومية. هذا جميعه في نهاية المطاف سيشكل نظاما تعليميا ذا جودة عالية يوجد مجتمعا مثقفا ذا قيم موحدة وأساليب اجتماعية إيجابية تسهم في تكوين اقتصاد قوي.