أنحاء - السعودية من المؤسف والحزن، أن يشتعل ويشتغل تويتر بمواضيع جانبية أقل أهمية من "عاصفة الحزم" ودعم الجبهة الجنوبية والجند الذين يضحون بأرواحهم في سبيل الدفاع عن الحق. وأول العتب في هذا الأمر على أستاذنا الدكتور عبدالله الغذامي، الذي دخل في نقاش حول ما يجري في سوريا مما شجعني لطرح رأيي الذي سبق وأن جادلت به في مقالات منشورة، ولو لم أشاهد حسابه، أو كنت أعلم أنه سينسحب، لما دخلت في النقاش. الغذامي، الذي كتب في "البايو" الخاص به: " سمّوا أنفسكم مستقلين، كونوا دعاة سلام ومحبة، قولوا بحرية التفكير والتعبير لمخالفيكم قبل أنفسكم / قُل رآيك ( ولا تبالي ) شرط أن تقول هو رأيي أعرضه ولا أفرضه".. ناقض نفسه مع الأسف. أستاذنا الغذامي، الذي يعلمنا أسلوب الحوار وأصول الإختلاف، وإحترام الرأي والرأي المضاد، لم يخالف ويناقض مُثله المنشورة على حسابه، كما لم ينسحب من النقاش فحسب، بل علق بشكل مؤسف مما إستدعى كل من هب ودب من المتابعين له أكثر من 254 ألف في تويتر للغط والغلط. خصوصا، والغذامي ممن عانوا أيما معاناة من أراء قالها حول "الليبرالية" أججت الكثير ممن يختلفون معه، ومن يعرف إشكاليات تويتر أشد المعرفة. إلتقط بعض العامة والدهماء رأيي حول الرئيس السوري والحالة في سوريا، وخلطوها بتغريدات أخرى وأراء في مقالات عن إيران وغيرها بقصد التأجيج، إلى أن وصلت تلك التغريدات إلى حسابات بعض المتطرفين والمحسوبين على الدين، أو لنقل بعض الإقصائيين، الذين تزخر حساباتهم، كالعادة، بأعداد كبيرة وكثيرة من المتابعين. المثير للسخرية، أن بعض من أولئك أصبحوا يوجهون بعضهم بعضا في أشبه ما يكون بخطة ممنهجة للتأليب على شخص المخالف لرأيهم وما يحيكونه في دواخلهم، وكأنه ترميز أو "كود سري" للتكالب وساعة الصفر للهجوم، مما أدى بالبعض حسب منهجهم وخطتهم، بتصميم هاشتاق للتأجيج ومحاكاة عقول البسطاء والدهماء وهو ما نسميه "الإرهاب التويتري". الدكتور عبدالله الغذامي، الذي أحسبه من عقلاء القوم، ولا زلت، إنسل من النقاش بعد أن ألقى رأيه العاطفي الذي لا يستند على أخلاقيات رجل علم ورأي، ولم تكن تغريدته تستند إلى حقائق علمية أو تحليل في المنطق السياسي أو الإستراتيجي أو القانون الدولي أو التاريخ، ولذا، طالبته متحدياً أن يناقش الأمر في مناظرة عامة وعلنية، لكنه لم يفعل. أما أنه إستدرك أن النقاش الجانبي لا يصح، أو أنه عرف أن رأيه كان عاطفياً محضاً ولا يستند إلى عمق علمي، أو أنه جبُن من المناظرة لكي لا يهرف بما لا يعرف فيفتضح أمره. وأنا أعذره في كل الأحوال، فرحم الله إمريء عرف حده فوقف عنده. عجبت وعتبت، أيضا، من الشيخ عادل الكلباني على دخوله النقاش وطرح سؤال، كنت أظنه للوهلة الأولى جاداً ويريد جواب، لأنه يأتي من شيخ فقه رزين ورصين يبتعد كل البعد عن التأجيج أو إقحام نفسه في لجة المهاترات حول رأي، خصوصاً وهو يعرف قبل غيره تلك الهجمات التويترية البربرية، عندما صرح برأيه حول "الغناء"، وأظن أنه لاقى عنتاً كثيراً وكبيرا. لكن ما إتضح لي وكأنه يطرح سؤال لكي يقول لأتباعه هلموا أيها الأتباع الذين يصل عددهم 1.5 مليون – تعالوا هنا فالصيد ثمين. الشيخ الكلباني الذي سطر في "البايو" على حسابه في تويتر "كثيرون يستخدمون الإسلام، وقليل يخدمونه!"، يكاد ينطبق عليه المثل "رمتني بدائها وإنسلت". فهو يعرف قبل ومثل غيره كيف يلتقط بعض العامة والدهماء الأراء ويسقطونها على موروثهم المعرفي، ثم يتم لفضها ورفضها لعدم تناسبها أو تطابقها مع السياق او التراكم المعرفي لديهم، بعد ذلك يبدأ التخوين والمزايدة حول الوطنية ويصل إلى الإخراج من الملة أحياناً. "الناس أعداء ما جهلوا"، مقولة صحيحة 100٪ في المجتمعات التقليدية التي يهيمن عليها فئة من المنغلقين والإقصائيين، وهذا إضرار بالمجتمع، وأيما إضرار. مالا يفهمه الدكتور عبدالله الغذامي وشيخنا الكلباني، أن السياسة حرب، والحرب خدعة. ولذا يحق للسياسي أن يقول مالا يقول غيره من دون تبرير أو مسائلة أو إسقاط على أي عامل أخلاقي. كلنا، وبقية شعوب العالم، شاهد ذلك الجنرال الأسمر الرزين، وزير خارجية الولاياتالمتحدة، كولن باول، وهو يكذب عياناً بياناً في مجلس الأمن بأن العراق لديه أسلحة دمار شامل. ماذا حدث؟ تم تسويغ القوة وإحتلال العراق ولم تجد أمريكا أسلحة الدمار الشامل المزعومة، وهكذا تدحرجت كرة النار. فهم الدكتور الغذامي والكلباني، ليس بعيداً عن فهم كثير من المحللين الذين يقعون في أخطاء فادحة عندما يركنون إلى تصريح السياسي، غير عالمين ببيئة ذلك التصريح وأسبابه وأهدافه والرسالة الخفيّة في ثناياه. مالا يعرفه دكتورنا الفاضل عبدالله الغذامي، وشيخنا الفقيه عادل الكلباني، أن الأخلاق شبه منعدمة في السياسة الخارجية على وجه الخصوص. كما أن جدلية السياسة والأخلاق قديمة قدم النظرية السياسية، وقد تكون أقدم من فلاسفة السياسة في العصر اليوناني القديم. مالا يدركه الغذامي والكلباني، أيضاً، أن المدرسة المثالية في السياسة إنهزمت أمام المدرسة الواقعية. وما لا يتصوره دكتورنا الفاضل وشيخنا الفقيه، أن علماء السياسة فرّقوا بين العنصر الأخلاقي في السياسة الخارجية والداخلية، فرفضوها في الأولى وأبقوها في الثانية. "المكر السياسي" هو الأسلوب والممارسة الأفضل والأبقى في السياسة الخارجية لكل الدول التي تحترم نفسها وتخشى على مصالحها، وهو بحث سنفصل فيه في مقام آخر ليستفيد منه أستاذنا ودكتورنا الغذامي وشيخنا الفقيه الكلباني، وبعض المحللين، كما يستفيد منه الحادي والبادي والفرد العادي. يقول الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين، رحمه الله، " المكر هو الإيقاع بالخصم من حيث لا يشعر وهو – أعني المكر – صفة مدح إذا كان واقعاً موقعه وفي محله ولهذا يذكره الله عز وجل واصفاً نفسه به في مقابلة من يمكرون بالله وبرسله فهنا قال ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين فالمكر صفة مدح في محله لانه يدل على القوة وعلى العظمة وعلى الإحاطة بالخصوم وعلى ضعف الخصم وعدم إدراكه مايريده به خصمه بخلاف الخيانة فإن الخيانة صفة ذم مطلقاً، إنتهى كلام الشيخ. من جانب آخر، التحليل السياسي الذي يقوم على العاطفة هو تحليل ضعيف وسخيف لا يستحق قيمة المساحة أو الوقت الذي يشغله في الوسيلة الإعلامية. التحليل السياسي الذي يتناقض مع بعضه بعضا في الأحداث والممارسات السياسية إثمه أكبر من نفعه. فالإبداع، هو القدرة على رؤية المتناقضات والمتضادات. أخيراً، الحالة السورية معقدة، ولا زال المشهد مفتوح، وبالتالي يصعب إصدار حكم نهائي على مايجري. لكننا مع ذلك، نتحدى أي باحث أو محلل سياسي يرغب في المناظرة حول مقالاتنا وما كتبناه عن سوريا، مع إنكارنا وشجبنا لمقتل أي مخلوق، إنسان كان أو حيوان أو طير أو شجر، يقول الحق سبحانه وتعالى "مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ. الآية. القتل والتشريد بأي وسيلة كانت هو أمر تعافه النفس وتتحسر عليه القلوب. لكننا نقول هنا، علناً وبكل تأكيد وصراحة، أننا نقف وندعم كل وسيلة مهما كانت حازمة وحاسمة تقوم بها القيادة السعودية والدولة والحكومة فيها والأجهزة الأمنية للحفاظ على أمن وتماسك الدولة ومنع تفككها. كما أننا نرفض أي تدخل خارجي قولاً أو عملاً من فرد أو مجموعة أو منظمة أو دولة أو مجموعة دول في الشئون الداخلية لبلدنا ودولتنا ووطننا وكيف يُحكم أو كيف تعالج الدولة والحكومة والأجهزة الأمنية العلاقة مع الشعب السعودي. ختاماً، أرسل (6) تغريدات طرادية: (1) أقول لأستاذي الفاضل الدكتور عبدالله الغذامي، وشيخي الفاضل الفقيه عادل الكلباني، سامحكم الله؛ (2) نقول لجميع التكفيريين والمتطرفين والإقصائيين والداعشيين والأخونجية: إتقوا الله في أنفسكم، ثم إتقوا الله في مجتمعكم، ثم إتقوا الله في وطنكم... و #توقفوا_عن_الإرهاب_التويتري (3) كاتب الرأي في التويتر العربي، مثل طبيب الأسنان: يشتم روائح، ويستمع لأصوات، ويشاهد مناظر، قد لاتكون مريحة أو سارة معظم الأحيان ويجب عليه الصبر والتوكل على الله. (4) الإختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية إلا عند العرب. (5) اللهم إني أشهدك بأنني سامحت كل من تلفظ علي بألفاظ غير لائقة أو دعى عليّ، أو إتهمني بأمر، اللهم إهدهم للحق والصواب وأغفر لهم خطاياهم نحوي. (6) اللهم من أراد بهذه الدولة أو قيادتها أو جيشها أو شعبها أو مقدراتها سوء أن تكسره وترد كيده في نحره، وأن تحفظنا بحفظك. والحمدلله رب العالمين. *كاتب ومحلل إستراتيجي [email protected] Saudianalyst@