د. عبد العزيز الغدير الاقتصادية - السعودية لست أرى في العقاريين من ملاك الأراضي سوى رجال أعمال جدوا واجتهدوا في القطاع العقاري وتحملوا المخاطر من عقود ما قبل الطفرة الأولى، ومنهم من خسر ومنهم من وفقه الله بتحقيق طفرات مالية هائلة وهم الفئة الأقل، ومنهم من استثمر ونمت أمواله بعد الطفرة بعد أن حصل على فوائض مالية من مدخراته أو ما ورثه أو ما وهبته له الدولة أو من تجارته في قطاعات استثمارية لم تعد تستوعب عوائد أمواله فتوجه إلى السوق العقارية بشراء الأراضي والعمائر الاستثمارية والأسواق والمولات أو تطويرها، وكذلك منهم من خرج برأسماله ومنهم من خسر ومنهم من وفقه الله، وكلنا نذكر فترات انخفاض العقار في مراحل اقتصادية متعددة. العقاريون مستثمرون أسهموا في تنمية الأراضي البيضاء وحولوها لأراض مخططة ببنى أرضية وعلوية بدرجات متفاوتة حسب تطور لوائح التطوير وهو ما مكن الكثير من المواطنين من شراء أجزاء منها "أرض أو أكثر" ليطوروها مساكن لهم، كما مكن البعض من المضاربة فيها، ومكن البعض الآخر من استثمارها في تطوير مساكن بأعداد محدودة وبيعها "المطورون الأفراد"، في حين اتخذ منها البعض صكوكا استثمارية لمدخراتهم في ظل غياب سوق للسندات التي تشكل ملاذا آمنا لمدخرات المواطنين في كل دول العالم. المستثمرون العقاريون وفي ظل غياب التمويل العقاري للمطورين والمشترين طوروا آليات خاصة بهم وهي المساهمات العقارية الخاصة والعامة التي لعبت دورا كبيرا في تمويلهم لتطوير مساحات هائلة من الأراضي البيضاء وعرضها للمشترين. ولقد تمت تصفية النسبة الأعلى من هذه المساهمات وبقي النزر القليل من تلك المساهمات التي تعثرت، ولا شك أن العقاريين ومن خلال مطالباتهم المستمرة من خلال الوسائل كافة لتطوير أدوات التمويل العقاري للشركات المطورة والأفراد الراغبين بشراء منتجاتها، ومن خلال بنائهم لنماذج تمويلية متكاملة، استطاعوا حث الدولة على إصدار أنظمة التمويل العقاري، كما استطاعوا حث المؤسسات المالية على زيادة حصة القروض العقارية، وهي قروض شراء سلع معمرة على حساب السلع الاستهلاكية وغير المعمرة، الأمر الذي رفع حصة التمويل العقاري لدى المصارف من نحو 1 إلى 12 في المائة قبل صدور قرار مؤسسة النقد برفع نسبة مقدم التمويل العقاري إلى 30 في المائة. هيئة السوق المالية نظمت تمويل المشاريع العقارية من خلال إصدار لائحة الصناديق العقارية التي أخذت طريقها للتنفيذ حتى وصل إجمالي الصناديق العقارية إلى نحو 25 مليارا أسهمت في إنتاج المزيد من الأراضي والمساكن المطورة وأصبح العقاريون في حال من المنافسة بالتحول من تطوير الأراضي البيضاء إلى تطوير المباني من مساكن وعمائر استثمارية سكنية وغير سكنية وأسواق ومولات وملاعب، وسنشهد كما يبدو لي زيادة في نسبة الاستثمارات بتطوير المباني على حساب تطوير الأراضي بمرور الوقت بعد أن تزول الضبابية الكبيرة التي تشهدها السوق العقارية حاليا التي يجب أن تزول بأسرع وقت ممكن على قاعدة لا ضرر ولا ضرار ودون تغليب مصلحة طرف على حساب طرف من أطراف السوق العقارية. علينا أن ننهي مرحلة الضبابية لينطلق التطوير العقاري بأعلى سرعة ممكنة لكي ننمو ونزدهر وترتفع جودة حياتنا، فنحن ودون أن نشعر نعيش جميعا في منتجات المطورين العقاريين من أحياء ومساكن وعمائر وأسواق ومولات وفنادق وشقق مفروشة وصالات رياضة وصالات مناسبات واستراحات وغير ذلك، وهي تؤثر في أسلوب حياتنا وجودتها بجميع الأبعاد الاجتماعية والنفسية والصحية والأمنية والبيئية وعلى أن نحترم ونقدر ذلك. دون أدنى شك فإن المستثمرين العقاريين نهضوا ببلادنا نهضة هائلة كما نهضوا بالدول المجاورة باستثماراتهم المليارية التي تحفزها الدول الأخرى وتدعوها وتقدم لها التسهيلات كافة لتسهم في تنمية تلك البلدان بأبعادها كافة. بطبيعة الحال كلنا لا نريد لهذه الأموال أن ترحل لدول مجاورة أو بعيدة ونريدها أن تواصل الاستثمار في السوق العقارية السعودية وتنميها، وفي الوقت نفسه نريد أن نوقف من التضخم العقاري، وأعتقد أن علينا أن نحترم قواعد السوق التي أدت لتضخم جميع السلع والخدمات والتي ستهبط بها أيضا بإذن الله. ومن أهم قواعد السوق السعودية من جهة التضخم أنها ترتبط بشكل جلي بتضخم أسعار النفط التي ارتفعت من نحو 15 دولارا عام 2001 إلى أكثر من 100 دولار في السنوات القليلة الماضية، وارتدت إلى مستوى الخمسينيات حاليا وهو ما يعني أن التضخم في أسعار العقار وغيره سيحدث تلقائيا ويتراجع بمرور الوقت كما حصل في عقد التسعينيات من القرن الماضي وخصوصا لو ترافق مع انخفاض الإنفاق الحكومي. كما يبدو لي أن الكثير من المستثمرين في القطاع العقاري، خصوصا المطورين للأراضي والمساكن، في حالة توقف وما هو مطروح للبيع حاليا تم تطويره قبل الهجمة الشديدة الأخيرة على السوق العقارية وتجارها واتهامهم بالاحتكار، ويبدو لي أن الكثير منهم قد يفكر في الخروج من السوق السعودية للأسواق الخارجية التي بدأت ترحب بهم وتطرح لهم البدائل الاستثمارية المغرية، وبالتالي علينا أن نفكر مليا في حلول منطقية وفق قاعدة "لا يموت الذيب ولا تفنى الغنم" ونحول الاستثمارات العقارية إلى استثمارات نوعية ترتقي بمستوى حياة المواطن وتهيئ له بيئة مختلفة عن تلك السائدة في الأحياء الشبكية الحالية التي لا تحقق أي بعد للمسكن سوى أنه مأوى ليس إلا. أجزم بأننا في حاجة إلى ملتقيات نوعية بين كل مكونات السوق العقارية لتنشيط السوق العقارية لتلعب دورها التنموي المنتظر بأبعاده كافة بما في ذلك تنمية الحياة النوعية للإنسان السعودي، وأجزم أن تحول العقاريين لمشاريع تنموية نوعية سيعيد للعقار مكانته حيث سيتحول موضوع السعر من فكرة الكم إلى فكرة النوع التي لا تناقش الأسعار وتركز على الجودة.