CNN بالعربية تحكي ذاكرة الصراع الطويل في اليمن أنه في نزاع صعده الأخير في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2009، استولى الحوثيون على 25 قرية حدودية سعودية و 10 دبابات في منطقة جازانجنوب غربي المملكة العربية السعودية في غضون أقل من اسبوع، بعدما شنت القوات السعودية هجوما على حركة "أنصار الله" (الحوثيين) داخل اليمن. وقد اضطرت السعودية لاحقا آنذاك أن تدفع أموالا لاسترجاع الدبابات. تلعب السمات الشخصية للمقاتل اليمني دورا محوريا في رسم مسار الصراع الحالي في مقابل نقاط ضعف جوهرية في الطرف المقابل نتيجة عوامل عديدة على المستويين الفردي والجماعي، ابرزها غياب الخبرات العسكرية اللازمة والواقع الديموغرافي في الداخل السعودي وعند الحدود مع اليمن حيث ينتشر الاسماعيليون. وهنا يجب التركيز على ان حركة الحوثيين ليست عابرة في تاريخ المنطقة، فالتقديرات تشير الى ان 40 في المئة من سكان اليمن، البالغ عددهم 25 مليون نسمة، هم من الطائفة الزيدية التي يدور الحوثيين في فلكها؛ وبالتالي فإن الحشد العسكري لهذه الجماعة يتسع ضمن هذا الهامش مع لحاظ قدرتها العالية على التعبئة الشعبية في بيئتها لاعتبارات موضوعية واجتماعية وعقائدية وضمن دوائر حلفائها المحليين المتضررين أيضا من السياسة السعودية في اليمن. ولعلّ معرفة الرياض بقدرة التعبئة هذه تفسر سبب حشد 150 الف جندي سعودي عند الحدود، بحسب وسائل الاعلام السعودية نفسها. اما فيما يتعلق بالقدرات العسكرية، فمن الواضح أيضا ان الحروب الست التي خاضها الحوثيون ضد النظام اليمني قد أكسبتهم خبرات عسكرية واسعة فضلا عن تجاربهم ضد القوات السعودية، وآخرها وصولهم الى 30 كيلومترا داخل الاراضي السعودية بالقرب من جازان في العام 2009. قدرات تدعمها ترسانة معتبرة من الأسلحة بما يتيح للحوثيين خوض نمطين من الحروب: النظامية والعصابات. وبما انه لا يمكن فصل ما يجري في اليمن اليوم عن اوضاع المنطقة عموما، فان التدخل المباشر السعودي ضد الحوثيين سيدفع بالمواجهة الى مرحلة جديدة. ومن الطبيعي ان يتحول هذا الصراع الى مادة للتجاذب الاقليمي كما هو حال جميع ملفات المنطقة، وبالتالي انسحب الخلاف السعودي الايراني على هذا الملف ايضا. علما ان موقع اليمن لطالما كان محل اهتمام الدول الاقليمية والكبرى نظرا لحيويته الجيواستراتيجية واطلالته على البحر الأحمر. ما يعني ان الذي يتحكم باليمن يتحكم عمليا بالممر الذي يصل البحر الاحمر بالمحيط الهندي وبطرق الملاحة البحرية المؤدية الى آسيا وبتدفق النفط في المنطقة. كان تقدم الحوثيين نحو العاصمة صنعاء والمناطق الداخلية متوقعا قبل اشهر، خاصة وأن السياسة السعودية في اليمن اتخذت تدريجيا منحى المواجهة، مع فقدانها اوراق القوة في أكثر من بلد في المنطقة، ما أبطل حاليا امكانية احتواء الحوثيين. للوهلة الأولى يبدو ان الضربة الجوية السعودية الأولى قد نجحت في تحقيق نصر إعلامي مفهوم في زمن التويتر وتسطيح المفاهيم وتفريغ المضمون، لكن تغيير موازين القوى على الأرض يستوجب مواجهة برية تقول دروس التاريخ والجغرافيا انها لن تكون في مصلحة السعودية.