الحياة - سعودي أطلق الأستاذ عبدالرحمن الراشد سؤالاً مدوياً ومستنكراً، عنواناً لمقالته في صحيفة «الشرق الأوسط»، هل جُنَّ كيري؟ الراشد كتب مقالته امتعاضاً من تصريح كيري أخيراً، الذي قال فيه: أننا مضطرون إلى التعاون مع الأسد أو القبول به أو الحوار معه؛ لأنهم -أي الأميركان- بحاجة إليه لمحاربة تنظيم داعش. الراشد فنَّد حجته بنقطة مهمة، هي: أن السوريين يملكون الحجة نفسها التي ستجعلهم يتحالفون مع «داعش» كرهاً في الأسد؛ الذي قتل منهم أكثر من 200 ألف والعدادة لا تزال تدور. وبنظري، أن كيري يمثل السياسي مثار التهكم في العالم الغربي؛ بما يصرح به بين الحين والآخر من عبارات لا يقبل أن تصدر من موظف إداري في الخارجية، لا منصب بهذه الضخامة لأقوى دولة في العالم. عندما طُرد الأميركان بهزيمة مذلة من أبطال الشعب الفيتنامي أخذوا درساً كبيراً في عدم التدخل في شؤون الشعوب الأخرى، ومحاولتهم الفجة بتغيير الزعامات بغض النظر عن فساد القادة من عدمه، إلا أن السياسة الأميركية لم تتعلم -للأسف الشديد، فقد تدخلوا بالعراق واحتلوه قسراً وحوَّلوه الآن إلى أطلال تهيمن عليه إيران من جهة، و«داعش» من جهة أخرى، والحبل على الجرار. إذا كان هناك من يرغب في التدخل فهناك تركيا وهناك الكيان المحتل وهلم جرا. كل ما سبق لم يردع الأميركان، وعندما حدثت ثورات «الربيع العربي» أصبحوا يتخبطون، فتارة يساندون الثورات، وتارة الأنظمة؛ ومبرراتهم في كل مرة غير مفهومة أو غير منطقية، لكن من يقول للأميركان ذلك؟ وامتداداً لكل ذلك خرج علينا الأخ كيري بتصريحه الرنان، الذي يعلم الكل أنه متهافت وغير مقنع، فمن جهة فتنظيم داعش يفترض أنه يحارب الأسد، ومن ثم هو لا يحتاج إلى الأسد لكي يقنعه بذلك، ومن ناحية أخرى فهو يصور لنا «داعش» على أنه قوة عظمى، يحتاج إلى تحالف دولي من جميع دول العالم، ولا أعرف لما لم تحتج أميركا إلى كل هذه الإعلانات عندما أسقطت نظام صدام بلمح البصر؟ ألم يكن هو رابع جيش في العالم كما قال الإعلام الغربي؟ كما قال الراشد، ربما كان الأمر مغازلة لإيران، ولكنه بذلك يتجاهل آلام السوريين، الذين لا يريدون الأسد ولا «داعش»، بل يريدون أن يعيشوا في سلام، يتوافر به الحد الأدنى من الكفاف، فهل يتصور كيري أنه بتحالفه مع الأسد وقضائه على «داعش» ستنتهي معاناة السوريين؟ المثير والمؤلم في الوقت نفسه هو أن طلاب السياسة أو حتى طلاب الفيزياء يعلمون ويعرفون أن أميركا لا تريد إسقاط الأسد؛ لأنها ببساطة أسقطت أنظمة أقوى منه، والعراق مثال ساطع، وفي المقابل نحن كعرب لا نريدها أن تُسقط الأسد ولا غير الأسد، بل نريد أن ترفع يدها عن التدخل. لربما تساءل بعضهم: ما التدخل؟ ببساطة رفضتْ أن يتسلم «الائتلاف» أسلحة، بينما اكتفت بعبارات طنانة إزاء حرق النظام لشعبه بالبراميل المتفجرة كل يوم، أليس هذا تدخلاً؟ الدواعش يعبرون من تركيا كل يوم، فماذا عمل الأميركان لذلك؟ لا شيء، وإنما نصائح إلى تركيا التي تريد ثمناً لكل شيء تقدمه للتحالف. يزعم الأميركيون أنهم يحاربون «داعش» الآن، ومع ذلك تجد أن أرقام الضربات الجوية متواضع وهزيل، ولا يعطي دلالة على الجدية في إزالة هذا التنظيم، وللمرة الثانية أو ربما أكثر من ذلك من المستحيل أن يترعرع «داعش» في ظل أنظمة تكرهه، لولا الدعم المطلق من جهات عدة، وأميركا أكثر من يعرف ذلك. من سوء حظ الشعب السوري المسالم، أنهم لم يوفِّروا بديلاً جيداً لحارس الجولان، لذا ستتمسك أميركا بالأسد؛ طالما أن الربيبة المحتلة راضية عن النظام المتاخم. ألم تسألوا أنفسكم: لماذا فقد نتنياهو صبره وذهب إلى الكونغرس وأغضب أوباما والديموقراطيين؟ لأنه لا يريد لإيران أن تحصل على النووي، مع أنها بعيدة عنه جغرافياً، لكنه يعلم بخطورتها عليه، فيما وياللمفارقة لا يشعر بقلق إزاء جارته قلعة الصمود. وعودة إلى صاحب البلاغة والمنطق المدعو كيري، ألا يعتقد بأن الصمت صفة جميلة في بعض الأحيان؟ هل هو مضطر لكي يتحفنا بين الحين والآخر بعباراته الفصيحة؟ آه يا كيري، ليتك تتعلم فضيلة الصمت. [email protected] للكاتب