عبدالرحمن اللاحم الحياة الدنيا مليئة بالصدف والمفارقات العجيبة التي يعجز العقل البشري عن تفسيرها أو تحليلها أو إيجاد رابط منطقي لها، لكن من أعجب تلك الصدف المحيرة للعقل البشري في هذا الزمان؛ أن يقوم الوزير بزيارة مفاجئة إلى مدرسة في هجرة نائية، أو مركز صحي في قرية خارج النطاق العمراني، أو يفاجئ - معاليه - إحدى الإدارات التابعة لوزارته بزيارة غير مجدولة، أو أنه يمارس عملاً طبيعياً، كأن يجلس في محل حلاقة ينتظر دوره كأي إنسان يدب على هذه البسيطة، أو يقف في طابور طويل ينتظر دوره ليحاسب عن مشترياته؛ ثم يجد -معاليه- فلاش الكاميرات قد سبقته إلى الموقع المقصود مصادفة على غير ذي موعد. والأكثر غرابة أنها كاميرات لمصورين محترفين وليسو هواة، وبعدها بدقائق تمتلئ مواقع التواصل الاجتماعي وصفحات الجرائد السيارة بصور معالي الوزير وهو يمارس طقوس الزيارة السرية والمفاجئة، وتغطية ب (الألوان) لزيارته الميمونة، والغريب أن كل الصور تكون بصيغة (صورني وكأني ما دريت) ومن زوايا خاصة جداً، كل ذلك يحدث صدفةً وبشكل متكرر في ظاهرة تحير الأذهان وتثير تساؤلات كونية لا تقل تعقيداً عن تساؤلات الانفجار الكبير. أنا لا أعلم متى يتوقف هؤلاء المصورون المتطفلون عن إفساد طلعات معالي الوزير المفاجئة، واختراق سرية تلك الزيارات الوزارية، فهم بذلك يفوتون على معاليه أهم عنصر في الزيارة وهي (السرية) و(المفاجئة) ويحولون بينه وبين العمل بصمت بعيداً عن الفلاشات التي -قطعاً- لا يحبها معاليه، ولسان حاله يقول (أبعدوها أبعدوها). ولن يردع أولئك المتطفلين إلا قرارات صارمة من الوزراء بمنع نشر صور الزيارات السرية والمفاجئة، عندها ستغيب أية أخبار عنها وتحتفظ بنكهة السرية، وهذا بالضبط ما يريده أصحاب المعالي الوزراء. ومن أروع ما قال الحكماء القدماء؛ إن أشد ما يخشى على الوزير في هذا الزمان؛ تويتر والكاميرا، ومتى ما سلم منها؛ فقد أنتج وأبدع وتفرغ لأعمال وزارته، وإن وقع في شراكها وأدمن تصوير (السيلفي) فقد أصيب بداء عضال يقال له داء (الهياط)، أعاذنا الله وإياكم منه.