* اليوم - السعودية .. محور تأسيسي إستراتيجي لحماية الشرق الإسلامي رغم دورات التكرار التي عاشها المشرق العربي مع فصول ضخمة ودرامية للتدخل الإيراني الذي يتراوح بين الاحتلال السياسي أو النفوذ المطلق أو الضغط بذراع داخلي أو البلبلة الطائفية، إلّا أنّه ينجح كل مرة في التمدد والوصول الى أهدافه، في حين تُهيمن على الساحة الإقليمية العربية المقابلة حالة من البلبلة والاضطراب أو الدخول في دوامة صراع طائفي حاد، لا يُقدّم أي تصور ولا يصنع أي ممانعة لتحصين باقي المشرق أو انقاذ من وقع تحت هيمنة المشروع الإيراني. وهذا لا يعني أن كارثة الفكرة الطائفية التي صنعت تشيّعاً جديداً استقطبت ولاء سياسيا للمشروع وليس للمذهب بحد ذاته، ليس لها دور مركزي خطير، بل هي كذلك، وقد ساهمت في صناعة أرضية المشروع السياسي التوسعي لإيران التي بَعثت أسوأ موجات الانقسام الطائفي في تاريخ المشرق العربي، واستثمرت حالة غلو اجتاحت المنطقة السنية، فصنعت منها إيران ركاما يُبنى عليه هذا البعث الطائفي الجديد لها. فالمقصود أن الفكرة الطائفية الخطيرة لا تُواجه اليوم بأي أداء أو وعي استراتيجي ولا تنتظم في صياغة فكرية مقابلة، وإنما تعتمد الضجيج الطائفي العاطفي كمقابل ورد فعل عاجز عن بناء أي تطويق وحصار للمشروع الإيراني، وتكتفي بفتح مسارات لخطاب التنفيس الحاد، الذي يُحبط الشارع العربي أكثر ويُبلبل طريقة تفكير الشباب، وربما يوظفهم لحروب تنهك المشرق العربي وجسمه الإسلامي ذي القاعدة السنية، وليس ذلك نعتاً طائفيا، ولكنه توصيف لتاريخ مركزي للشرق المسلم. مثّلت فيه المدرسة السنية الكبرى وليس مذهبا سلفيا محدودا البناء المركزي للشرق والذي احتضن الطوائف بعدلٍ مُجمل مع وجود انتهاكات تاريخية كبرى في العدالة السياسية من العصر العباسي وما قبله لم تكن موجهة للطوائف بل للجميع، واليوم بات العالم السني في وضعية الأقلية المطاردة وهو ما يصنع فشل الأمة والدول المنتمية لها، فينهار الحاضن الأممي المركزي، ويغرق الشرق في حرب التفتيت الكبرى. هذه الرؤية الفكرية التي نستخلصها من الواقع، لها دورٌ كبير فيما يُمكن أن يُطلق عليه الفشل السياسي للمشرق العربي في مواجهة هذه السلسلة من التقدم الإيراني، والذي عزّزه الصراع مع الربيع العربي أو المواجهات مع التيارات الإسلامية ومع اندفاع قوى الغلو والتطرف وسلسلة حماقاتها التي ضربت مصالح المشرق وأزّمَت أوضاعه كداعش وأخواتها، فإن هذه الأرضية ساهمت بقوة في تمكين المشروع الإيراني وبناء خططه بناء على خيوط التفكير الأساسي لاستخدام الولاء الطائفي ثقافة يَصنع منها الذراع الطائفي التنفيذي لإسقاط دولة جديدة، وضحية تضاف الى جسد المشرق العربي المنهك. الجانب الثاني في هذه الخيوط، تطابق مصلحة التقييم الامريكية مع طهران، في تقدير الخشية من قوة عودة المشرق العربي وصناعة المحور الموازي للتدخل المزدوج بين إيرانوواشنطن، فموقف واشنطن لم يكن فقط القبول بزحف الحوثي ولكنه اقترن بعمليات نوعية على الأرض قصفت فيه القوات الأمريكية القبائل المناوئة للحوثي وليس القاعدة فقط، فضلا عن دعم الحكم الطائفي في العراق والايمان بتثبيت الأسد. واليوم وقد بسطت إيران احتلالها السياسي الجديد على اليمن، فإن عناصر مواجهته ومساعدة القوى الوطنية فيه، تحتاج الى إعادة تصحيح الرؤية والموقف السياسي بحسب التقييم الفكري والرصد الذي طرحناه، ثم صناعة قاعدة تفكير واضحة تعتمد مسارات تحالف جديدة، لا مجال أبداً فيها إلا أن تُسمى الأشياء بأسمائها، وهي هنا قيام محور من الدول السنية الكبرى، ليس كمنظور طائفي بل كترس تأسيسي استراتيجي لحماية الشرق الإسلامي وطبيعي أن يكون طرفاه اليوم المملكة وتركيا، والذي سينضم له العديد من الدول ذات العمق المشترك بعد قيام تصوره العام لمسارات التحرك لوقف وتحييد المشروع الإيراني وخاصة في دمشق. إن ترك الوضع لجولة صراخ اعلامي أو دورة ضجيج تصنع عداء وهميا في المستوى الأصلي أو النسبي، تستنزف الشرق المسلم والمشرق العربي، سيعزز هذا الوضع الإيراني الجامح، ولن تُجدي المراهنة على عجزه وتورطه، خاصة أن الفوضى بحد ذاتها هي عنصر تجنيد لمصالح إيران من جهة ومن جهة أخرى هي حال فوضى وإنهاك خطير لدول ومجتمعات المشرق العربي يُضعف ممانعتها الى حد السقوط الكامل أو التفتت. * كاتب وباحث اسلامي ومحلل سياسي