الوطن - السعودية "أكبر العوائق التي تحول بين الإنسان وبين الخروج من نفق الإخفاقات هو طريقة النظر إلى الفشل، فمعظم الناس يتعلمون درساً خاطئاً من الفشل، مما يرسخ في أذهانهم قناعة باليأس والإحباط" تحدثنا في مقال سابق عن مفهوم (الفشل البنّاء)، وعرفنا أن أعظم المخترعين والمكتشفين ورؤساء الدول والحكام والسلاطين والصناعيين والمبتكرين والاقتصاديين والإعلاميين والموسيقيين والرياضيين.. كلهم يجمعهم شيء واحد.. فكلهم فشلوا فشلاً ذريعاً قبل أن ينجحوا، كلهم فهموا المعنى الحقيقي للفشل فاحتضنوه، بل جعلوا من كل فشل لبنة في بناء نجاحهم.. كلهم طبقوا مفهوم (الفشل البنَّاء). واستعرضنا قصة توماس إديسون Thomas Edison الذي عانى مشكلات في السمع في سن مبكرة. والذي وصفه مدرسوه في المدرسة ب"المغفل" و"شديد الغباء" الذي لا تجدي محاولات تعليمه. وكان قد ترك المدرسة بعد ثلاثة أشهر من دخولها فدرسته أمه في البيت، فانكب على قراءة كل ما يقع بين يديه من كتب وموسوعات وصحف ومجلات، وأطلقت يديه ليختبر ما يشاء فأعد مختبر كيمياء في منزله وهو في العاشرة من عمره، وكان يعمل في السوق بائعاً للخضروات ثم بائعاً للحلوى والصحف في القطارات حتى طرد من عمله بعد اشتعال النيران بمختبره الكيميائي في عربة نقل في محطة القطارات وأُلقي به في الشارع، مما جعله يتفرغ للأبحاث والتجارب. كان يقول: والدتي صنعتني، فاحترامها لي وثقتها بي أشعرتني أني أهم شخص في الوجود، فعاهدت نفسي ألا أخذلها كما لم تخذلني قط. سجل 122 اختراعاً ولمَّا يبلغ الثالثة والعشرين من عمره. يعد أحد أعظم المخترعين وأكثرهم إنتاجاً في التاريخ، فامتلك 1093 براءة اختراع وأكثر من 1300 جهاز وأداة علمية كان لها الأثر الواضح في حياة إنسان العصر الحديث. عن كيفية إدراك النجاح أثبتت الدراسات أن أصحاب المشاريع يفشلون في المتوسط أربع مرات قبل أن يدركوا النجاح في أعمالهم، ولذلك فإن الناجح يفكر في الحل والفاشل يفكر في المشكلة، والناجح لا تنضب أفكاره والفاشل لا تنضب أعذاره، الناجح يرى حلاً في كل مشكلة والفاشل يرى مشكلة في كل حل، الناجح يساعد الآخرين والفاشل يتوقع المساعدة من الآخرين، الناجح يعامل الناس كما يحب أن يُعَامل، والفاشل يخدع الناس قبل أن يخدعوه، الناجح يرى في العمل أملاً فيصنع الأحداث، أما الفاشل فيرى في العمل ألماً فتصنعه الأحداث. ولذلك يقال إن الإنسان لا يُهزم من خصومه ولكنه يُهزم من نفسه ومن توجهه النفسي تجاه الفشل ورد فعله للهزيمة، ومفتاح النجاح أن يعمل الإنسان خارج دائرة راحته وداخل دائرة قوته، وهذا ما جسدته قصة سوكيرو هوندا Soichiro Honda الذي ولد لعائلة مات خمسة من أبنائها بسبب سوء التغذية والفقر. فقد بدأ حياته العملية بورشة صغيرة ونجح بعد محاولات فشل عديدة في تصنيع حلقات صمام سيارات لشركة تويوتا، وعندما زاد الطلب شرع في بناء مصنع، ولكنه فشل في الحصول على الأسمنت، حيث منعت الحكومة اليابانية استخدامه أثناء الحرب لغير الأغراض العسكرية.. فماذا فعل؟ هل توقف؟ قام هو وفريقه باختراع عملي حديث لتصنيع الأسمنت بأنفسهم ونجحوا في بناء المصنع. وقد قصفت طائرات الحلفاء مصنعه مرتين، وفي كل مرة يعيد بناءه من جديد مستخدماً ما تلقيه الطائرات من خزانات الوقود الفارغة كمواد خام في مصانعه، وكان يسميها هدايا الرئيس الأميركي. وأخيراً حقق النجاح.. لكن في ذروة نجاحه ضرب اليابان زلزال كبير فأصبح المصنع أثراً بعد عين، فباع فكرة الصمام لشركة تويوتا عام 1945. عانت اليابان من انقطاع إمدادات البنزين فأصبح الوقود شحيحاً وغالياً، فبحث الناس عن وسائل انتقال رخيصة، فعمد هوندا إلى وضع محرك بخاري صغير على دراجته الهوائية يعمل بالكيروسين الرخيص وزيت النخيل، واستعان بالوفير من بقايا ومخلفات الحرب، وازداد الطلب على هذه المحركات فبنى مصنعاً لها لتلبية الطلب عليها، وحول اسم الشركة إلى "هوندا موتور" وباع مليون دراجة إلى أميركا وحدها. إنه رجل يسمي كل أزمة (فرصة) ويسمي كل فشل (تجربة وخبرة). ولكن كلمة النجاح لم تذكر في القرآن الكريم، لأنها تعني النجاح المحدود في مضمار معين في الحياة الدنيا، وإنما استعمل القرآن كلمة الفوز التي تعني النجاح النهائي الحقيقي، فليس كل نجاح دنيوي يفضي إلى فوز أخروي، والكلمة الجامعة الشاملة هي الفلاح، ففلاح الدنيا هو النجاح الذي ننشده، وهو الذي يفضي إلى فلاح في الآخرة، وهو الفوز الذي نطمح إليه، وهو في الأعمال التي تكون نجاحاً وعزاً في الدنيا، وبصدق نية صاحبها وطبيعة نفعها المتعدي للغير تصبح صدقة جارية وفوزاً في الآخرة. وتتجلى أمامنا تجربة النجاح التي خاضها البروفيسور محمد يونس أستاذ الاقتصاد السابق بجامعة سيتا جونج إحدى الجامعات الكبرى في بنجلاديش ومؤسس بنك جرامين Grameen Bank (بنك الفقراء) والحاصل على جائزة نوبل للسلام عام 2006 و50 درجة دكتوراه فخرية و113 جائزة عالمية من 26 دولة، والذي آمن بقضية إقراض الفقراء ليأكلوا من عمل أيديهم وليحررهم من استعباد رأس المال لهم، وقد فشل في محاولاته لإقناع بنك القرية وبنك المدينة والبنك المركزي والبنوك التجارية بوضع نظام لإقراض الفقراء بدون ضمانات، وعانى من سخرية رجال البنوك منه ومن أفكاره التي رأوها ساذجة، زعماً منهم بأن الفقراء ليسوا أهلاً للإقراض. واستطاع أن يحول من كل تجربة فاشلة خبرة ولبنة نجاح. واليوم قدم بنك جرامين أكثر من 11 بليون دولار في صورة قروض صغيرة لنحو 7 ملايين مواطن بنجالي، ثلاثة أرباعهم من النساء وثلثاهم تحت خط الفقر، ويملك البنك أكثر من 2200 فرع، واستطاع أن يحرر 100 مليون إنسان من الفقر، علماً بأن 98% من المقترضين الفقراء بدون ضمانات تمكنوا من سداد قروضهم. إن أكبر العوائق التي تحول بين الإنسان وبين الخروج من نفق الإخفاقات المظلم هو طريقة النظر إلى الفشل، فمعظم الناس يتعلمون درساً خاطئاً من الفشل وهو أنهم فاشلون، مما يرسخ في أذهانهم قناعة العجز ويصيبهم باليأس والإحباط، بينما الفشل تجارب قيمة وخبرات مكتسبة، والفشل المتكرر هو الذي يكسب الإنسان ما يحتاجه للنجاح من خبرات وصفات نفسية كالصبر والإرادة والعزيمة، والفاشل الحقيقي هو من أقعدته همته عن تكرار المحاولة بعد الإخفاق والتعلم من أخطائه وفشله، فأهم لبنات بناء النجاح هو الفشل، ولا شيء في الحياة ينمي المرونة مثل المحن والفشل، لذا فعليك أن تتفهم الفشل كجزء من تركيبة حياتك وأن تحتضنه كمتطلب نجاح، فهو يساعد على تطوير الابتكار، وهو مكون حيوي من مكونات النجاح، ونهج الإسلام يدعو إلى المحاولة والتحدي والإقحام، فيضمن لك الأجر والثواب، فإذا اجتهد العبد وأصاب فله أجران وإذا اجتهد وأخطأ فله أجر، فاستعن بالله ولا تعجز.