الشيخ راشد بن عبدالعزيز آل رشود* الرياض - السعودية الحمد لله وحده وبعد، إن جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أشرف جهاز وأعظم جهاز وأصعب جهاز في الدولة على مر العصور والأزمنة لكونه له احتكاك وإشراف وعلاج في بعض طبقات المجتمعات، ولكونه بعمله واختصاصاته لا يرضي بعض طبقات المجتمعات الذين يرغبون ترك الحبل على الغارب؛ لتحقيق مآربهم ورغباتهم وأهوائهم، وهو الطريقة المثلى لتقويم وتصحيح من خرج من بعض منهم عن مساره سواء بالإفراط أو التفريط قال تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون) وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (لتأمرن بالمعروف وتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصراً أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم - يعني بني إسرائيل-). وهذا الأمر رسالة من رسالات الأنبياء والرسل بعد رسالات التوحيد قال تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون). وبعد ردح من الزمن وبعد الأمة عن العلم والتوحيد وموت العلماء وضعف الدعاة كثرت في المجتمعات البدع والخرافات والشركيات وفسدت العقائد ولما أراد الله بالأمة خيرا أظهر الله الشيخ الكبير شيخ الإسلام المجدد محمد بن عبدالوهاب -قدس الله روحه- والذي ناصره وكاتفه الرجل الكبير الموفق الإمام الصادق في قوله وفعله الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى، ومنذ نشأتها تكاتف الرجلان الموفقان على الحق وكلمة التوحيد والدعوة إلى الله والإصلاح وإخراج الناس من الظلمات إلى النور ورد الظالم ومحاربة أهل البدع والشرك والضلالات وإرشاد الناس وتوجيههم إلى توحيد الله والعقيدة الصحيحة فهدى الله الأمة واستنارت الطرق أمامهم وعرف الناس الحق من الباطل لصلاح نية الرجلين وصدق عزيمتهما. وهذا شأن البشر وكثير من الأمم في كل زمان ومكان، كلما بعدت الأمة عن الدين والعقيدة الصحيحة وتُرك الحبل على الغارب وعُدم الإصلاحيون والدعاة فسدت الأمة وهلكوا كمثل أصحاب السفينة، ففي الحديث الشريف الذي رواه البخاري (مثلهم كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا؟ فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا) فهكذا أصحاب الرأي والرجال المصلحون فلو ترك بعض ركاب السفينة يخرقونها لغرقوا جميعًا وهلكوا. ولما رأى بعض الناس تكاتف الرجلين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب وصدقهما بنشر التوحيد والدعوة إليه ودحر البدع والشبهات ولم يسلم الشيخان من كلام بعض الناس والشكوك والظنون السيئة كعادة الأشرار في كل مكان وزمان، حتى قال حميدان الشويعر: ظهر جملين بالعارض زبدها على غواربها إن كان داخلها مثل ظاهرها يا ويلك يا محاربها وإن كان داخلها يخالف ظاهرها فكل يقرا عقاربها فدحر الله أهل البدع والشكوك والظنون وسار الرجلان الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب على طريقتهما المثلى في الدعوة والإرشاد وتوجيه الناس إلى كل خير حتى ظهر الحق واستنارت الأمة وبطل كل باطل وأعوان الباطل، وخاب كل مشكك ومعاند وأسس الشيخان الدعوة ورجال الحسبة بصدق وإخلاص في المدن والقرى واستمرا على ذلك في الدولة السعودية الأولى والثانية وهكذا عمل الشيخان -رحمهما الله- في الإصلاح وتأسيس الدعوة، وكذلك عندما تأسست الدولة السعودية الثالثة على يد قائدها وزعيمها الموحد الملك عبدالعزيز -رحمه الله رحمة واسعة- وجميعهم سائرون على طريقة ونهج الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمهما الله- ولما كثر الناس وصفت عقائدهم أخذ البعض يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، متمسكين بالحديث الشريف: (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان). واشتدوا في ذلك يعتقدون أنهم مجتهدون ويحسبون أنفسهم أهل الحسبة، عند ذلك رأى الملك عبدالعزيز الإمام الموفق أن يوحِّد رجال أهل الحسبة على جهة معينة بقيادة مسؤول أمام الله، ثم أمامه وأمام الرجال المختصين بأهل الحسبة، وأسند ذلك الأمر إلى سماحة الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ، جد الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- وكان هو مفتي المملكة العربية السعودية ومرجع القضاة والعلماء وأئمة المساجد والخطباء قبل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- ثم تتالى المشايخ والعلماء على رئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بتوجيهات الملك عبدالعزيز وأبنائه الملوك ومن هؤلاء المشايخ فضيلة الشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ، والشيخ عمر بن حسن آل الشيخ والشيخ عبدالملك بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، والشيخ عبدالعزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وذلك تحت إشراف سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي المملكة العربية السعودية وكذلك القضاة وأئمة المساجد والخطباء، وهؤلاء الرؤساء كلهم من سلالة الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمهم الله جميعاً، وهؤلاء القياديون هم الذين يعينون رجال الحسبة ومراكزها في المدن والقرى من آل الشيخ وغيرهم، واختيار الملك عبدالعزيز -رحمه الله- لهؤلاء من آل الشيخ لكونهم أهل الدعوة والإرشاد أساسًا ولكون الناس وخاصة أهل نجد لا يقتنعون إلا بتلك السلالة المباركة لكونهم لا يريدون إلا الخير وإرشاد الناس وتوجيههم بالمواعظ والحكمة الحسنة تماشيًا مع قول الله عز وجل (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) ثم تولى رئاسة هذا الجهاز المهم الشريف عدد من العلماء الأفاضل الذين أدوا جهدهم وقاموا بواجباتهم، وأخيرا أسند هذا الجهاز رئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز ال الشيخ، أحد سلالات الشيخ محمد بن عبدالوهاب -وفقه الله وأعانه- الذي قام بجهد كبير ونظم المراكز والهيئات في أنحاء المملكة، ومنع المتطوعين الذين يعملون مع الهيئة من غير أهل الحسبة المختصين، كما منع التجسس والملاحقات والمداهمات إلا في الضروريات القصوى بعد الاستئذان من الجهات المعنية يقول تعالى (ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضًا). وقد احتضن هذا الجهاز بعد الملك عبدالعزيز أبناؤه الملوك من بعده واعتنوا به كل الاعتناء لمصلحة البلاد والعباد، حتى وصل إلى وقت خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد ووزير الدفاع فاحتضنا هذا الجهاز وأعطوه ما يستحقه من إمكانيات وتأييد وأبعدا عن هذا الجهاز كل من ليس فيه من الرجال العاملين الذين ليسوا من أهل الحسبة أساسًا لمنع الإساءة إلى رجال الحسبة المعنيين، هذا ومن أخطأ من بعض رجال الحسبة أو بعض المراكز فيحاسب على خطئه ولا يرمى به الجهاز أو الرئاسة ككل، لقول الله عز وجل (ولا تزر وازرة وزر أخرى) ويقال لمن أحسن أحسنت ولمن أساء أسأت. وقد اتخذت الحكومة السعودية الأولى والثانية والثالثة القرآن الكريم والسنة الشريفة دستورًا لهذه البلاد والمرجع الوحيد للحكم والقضاء، وهذه الدولة تسعى جاهدة لما فيه خير للإسلام والمسلمين داخل المملكة وخارجها. وقد جدَّ الملك عبدالعزيز واجتهد -رحمه الله- وأبناؤه الكرام في تأمين الطرق والسبل وتسهيل وفتح أبواب العلم للعلماء وطلابه، ومحاربة الجهل والفقر والمرض حتى وصلت البلاد إلى ما وصلت إليه، ولله الحمد من أمن وأمان ورغد العيش وكثرة الخير والبركات، وكذلك صيانة الحرمين الشريفين وتوسعتهما وخدمة الحجاج والمعتمرين والقيام بواجبات وحقوق المواطنين والمقيمين على حد سواء، نرجو الله أن يوفق ولاة أمورنا وأن يعز بهم الإسلام والمسلمين، وأن يأخذ بأيديهم ويجعلهم هداة مهتدين إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. *مستشار الأمير سلمان بن عبدالعزيز ومدير عام إدارة المستشارين بإمارة منطقة الرياض سابقاً