د. فهد بن عبد الله الحويماني الاقتصادية - السعودية لا يوجد أفضل من الدخول في عملية مالية مضمونة الربح، لكن مع الأسف هذا الربح المضمون حق استثنائي للمؤسسات الاستثمارية التي تفوز بدعوة من متعهد الاكتتاب، وليست للأفراد من المستثمرين. بل إن ربح هذه المؤسسات الاستثمارية يأتي على حساب المستثمرين من الأفراد. هذا هو واقع مزاد حقوق الأولوية المتداولة في سوق الأسهم السعودية. لا أعلم ما الذي يمنع هيئة السوق المالية من تعديل الخلل الواضح في مزاد حقوق الأولوية، وهو ما تطرقت له سابقاً، وبسذاجة مني توقعت أن تدرك الهيئة الخطأ وتسارع في تصحيحه، غير أن طريقة المزاد لا تزال كما هي، وهانحن قد أنهينا ثالث اكتتاب بطريقة حقوق الأولوية المتداولة والخلل باق كما هو: الأول اكتتاب "مسك" والثاني اكتتاب "الأهلية" والثالث اكتتاب "معادن". عندما طالبت بالعمل بطريقة حقوق الأولوية المتداولة في عام 2006 في كتاب المال والاستثمار في الأسواق المالية- المتاح مجاناً على الإنترنت- وشرحت طريقة عملها بشكل مفصل، ومن ثم تعمقت في طريقة عمل المزاد وأوضحت ما به من خلل وكيفية معالجة الخلل، توقعت- مرة أخرى بسذاجة مني- أن يوجه أحد لي أي سؤال أو يناقش أو ينتقد أو يرفض ما اقترحته ويقترح حلا أفضل، ولكن لم يحدث أي من ذلك. حسناً لا يهم ذلك، بل المهم أن تتوقف الهيئة عن تقديم أرباح مهولة وغير مستحقة كهدية لعدد محدود من المؤسسات الاستثمارية المنتقاة بطريقة غامضة. الذي يحصل في طرح حقوق الأولوية المتداولة أن يُفتح المجال لمن لا يرغب في الاكتتاب لبيع ما لديه من حقوق، وكذلك يسمح لمن يرغب في الاكتتاب بشراء هذه الحقوق ومن ثم الاكتتاب بها خلال ثلاثة أيام. وإن لم يكتتب فيتم طرح الحقوق المتبقية في محافظ المستثمرين في مزاد خاص يتولاه مدير الاكتتاب في عملية غير شفافة وغامضة. آخر حالة من هذه الفرص الذهبية تمت الأسبوع الماضي حين تم طرح 14.7 مليون حق (تعادل 14.7 مليون سهم) من حقوق شركة "معادن" في هذا المزاد. لا يهم في الواقع لماذا لم يتم الاكتتاب بهذا العدد من الأسهم؟ ولكن المهم أن يتم بيع هذه الحقوق بطريقة عادلة وشفافة، وألا تقدم هدية على طبق من ذهب لمؤسسات مالية تم اختيارها بطريقة غامضة في مزاد غامض دون معرفة ملاكها بتفاصيل ما يحدث. في أول تجربة لطريقة المزاد مع شركة "مسك"، انتهت فترة الاكتتاب وكان السعر العادل للحقوق (ما تسميه "تداول" السعر الإرشادي) قبل بداية المزاد 4.90 ريال، وتم بيع الحقوق في المزاد بسعر 1.68 ريال، أي بتخفيض قدره 66 في المائة. وفي اكتتاب شركة "الأهلية"، انتهت فترة الاكتتاب وكان السعر العادل للحقوق قبل بداية المزاد 10.62 ريال، وتم بيعها في المزاد بسعر 5.19 ريال، بتخفيض بلغ 51 في المائة. وفي اكتتاب شركة "معادن" كان السعر العادل للحقوق قبل بداية المزاد 9.18 ريال، وتم بيعها بسعر 5.20 ريال، بتخفيض بلغ 43 في المائة. في جميع هذه الحالات، يقوم من اشترى الحقوق بدفع سعر الاكتتاب والحصول على السهم بسعر أقل من سعره في السوق. في حالة شركة "معادن"، من شارك في الاكتتاب حصل على السهم بسعر 28.19 ريال، بينما أغلق السهم يوم الخميس عند 31.10 ريال، لذا من الممكن تحقيق ربح يوم الأحد بنسبة 10.3 في المائة، وربما أكثر أو أقل حسب سعر السهم هذا الأسبوع. ربح لا بأس به خلال أسبوع وبمخاطرة متدنية جداً. لا يتسع المجال لعرض التفاصيل الكاملة لهذا الخلل، لذا سأوجزها فيما يلي: 1 - هناك خلل في جعل مدير الاكتتاب ومتعهد التغطية والمستشار المالي جميعهم جهة واحدة، هي التي تقوم بتوجيه الدعوات للمؤسسات الاستثمارية وهي التي تشرف على المزاد. أي أن أسهم الأفراد الذين لم يكتتبوا تُركت في أيدي جهة ذات مصلحة خاصة معاكسة لمصلحة الأفراد، دون رقابة من الجهة المنظمة ودون شفافية. علينا أن نعي أن في حالة عدم تقدم مؤسسات لشراء الحقوق، يحق لمتعهد التغطية المشرف على الاكتتاب الحصول على الحقوق المتبقية بسعر "صفر" ريال وتحقيق مكاسب كبيرة، إضافة إلى نجاحه في تغطية الاكتتاب، وهذا خطأ كبير. 2 - هنالك خلل في إسناد عملية اختيار من يشارك في المزاد لمتعهد التغطية، الذي "يوجه الدعوات لمؤسسات استثمارية" ويختارهم كما يبدو بطريقته الخاصة، ويحدد عددهم كما يراه مناسباً. وعليكم تخيل التجاوزات التي ممكن أن تقع في هذه الحالة. 3 - من الخطأ أن تنتهي فترة الاكتتاب الثانية ولا يبدأ مزاد بيع الحقوق المتبقية إلا في الأسبوع التالي، ما يمنح المزايدين فرصة غير مستحقة لمعرفة حركة السهم لمدة ثلاثة أيام تداول قبل أن يحددوا السعر المناسب لهم، بينما لم يكن لدى المكتتبين الآخرين مثل هذه المدة. الحل هو أن يبدأ المزاد في اليوم التالي لانتهاء فترة الاكتتاب الثانية، التي دائماً تنتهي يوم الثلاثاء، فيكون هناك يوما عمل يمكن عقد المزاد فيهما. 4 - أحد أهم أسباب بقاء الحقوق دون اكتتاب يعود لخلل في آلية تداول الحقوق، حيث إنها مقيدة بحركة غير منطقية تمنع إمكانية بيع الحقوق عندما يصل سعرها إلى النسبة الدنيا المحددة، وهي ليست نسبة 10 في المائة المتعارف عليها، بل بسبب خلل في العملية يحدث تكون النسبة فقط 1 في المائة. أي أنه لا يمكن بيع الحقوق بسعر يقل عن سعر الأمس بنسبة تتجاوز 1 في المائة! لذا نجد أن مرحلة التداول قد تنتهي دون أن يستطيع ملاك الحقوق بيع ما لديهم من حقوق، فيساقون إلى مشنقة المزاد. 5 - الحل المثالي ألا تكون هناك نسبة عُليا ولا دُنيا لتداول الحقوق لسبب بسيط وهو أن سعر الحقوق مرتبط بسعر السهم الأصلي، الذي هو بدوره مقيد بنسبة 10 في المائة صعوداً وهبوطاً. لماذا إذاً يتم تقييد حركة الحقوق بشكل مخالف لحركة السهم المرتبط بالحقوق؟ الأفضل بالطبع ألا تكون هناك نسبة مقيدة بتاتاً، كون ذلك أفضل بكثير للمتداولين من زج حقوقهم في مزاد غامض. 6 - ربما عندما تُلغى النسبة المقيدة لحركة الحقوق، فلن يكون هناك حاجة إلى عقد المزاد كون معظم من لديهم حقوق سيستطيعون بيعها، وإن تبقى حقوق فستكون قليلة جدا، وعندها يمكن عقد مزاد بإشراف شركة "تداول"، لا بإشراف متعهد الاكتتاب. لا بد من قيام "تداول" بالإشراف على المزاد بدلا من متعهد التغطية لتجنب تضارب المصالح والعمل بشفافية وعدالة، ولا بد من عقد المزاد مباشرة بعد انتهاء فترة الاكتتاب تطبيقاً لمبدأ تكافؤ الفرص، ولا بد من التخلص من وضع قيود جديدة على حركة سعر الحقوق التي هي مقيدة أصلاً بحركة السهم الأصلي من جهة، ومن جهة أخرى إزالة القيود وجعل الحقوق تتحرك بشكل حر أفضل بكثير لأصحاب الحقوق من زج حقوقهم في مزاد غير عادل.