د.عبدالعزيز بن عبدالرحمن الشبرمي موقع الكاتب في صبيحة يوم غائم يبشر بأمطار العدالة والإنجاز كنت مستجمعاً قواي مستيقظاً قبل ديك الفجر الذي لم تعد تسمعه في مدينة كبيرة كالرياض أخذت طريقي للمحكمة أسابق شعاع الشمس الذي ظل يقاوم تلال الغيوم كمقاومتي لأفكاري وتخيلاتي التي سمعتها كثيراً عن بطء سير العدالة في المحاكم الكبيرة وتباعد المواعيد وعقم الجلسات القضائية التي لاتغني بطول الانتظار سوى احتساب الأجر بالاستغفار ... دلفت المحكمة فاستوقفني رجال الأمن للتفتيش وعبثاً ذكرت أنني محامٍ فقطع مهمة التفتيش وأذن بالدخول وتركت طوابير الانتظار رغم أن ذلك مهمل في بعض المحاكم التي توازي مكتب قضائي واحد من مكاتب المحكمة العامة بالرياض. توجهت لصحائف الدعوى فتفاجأت بنقص بياناتي الالكترونية فانبرى لي موظف شاب يافع كأنما يخدم قريبه أو صديقه وبجهد لابأس به قيدت المعاملة بتاريخ اليوم وحدد لي موعداً تفاجأت كثيراً كثيراً منه حتى ظننت الموظف يسخر بي عندما أخبرني أن موظفي احضار الخصوم لن يتمكنوا من ابلاغه طالما الموعد قريب !! قرأت ورقة القيد وإذا هي ثلاثة عشر يوما فقط تفصل بيني وبين موعد التقاضي بعد أن كان البال مستعداً لتلقي موعد بعد يوم عرفة أو عاشوراء !! استرحت قليلاً من هول صدمة التقدم والتطور لأتقدم لفضيلة رئيس المحكمة بطلب عاجل لإيقاف تنفيذ ورقة تجارية تتعلق بالقضية ، ودخلت في غضون دقائق معدودة وإذا بفضيلته مستجمعاً قواه يقرأ أوراقا ويمضي توقيعه في أخرى فاستقبلني استقبال الأب الكبير متفهما لطلبي مبدياً توجيهه لموظفيه بإحالة الطلب العاجل لفضيلة ناظر القضية بشكل عاجل ،،، واشتكيت له قرب المواعيد حتى إنه يتعذر معها الحصول على حجوزات الطيران فابتسم ابتسامة الرضى لتكاتف أصحاب الفضيلة الذين قدموا راحتهم لمصلحة المراجعين ووجه بتكليف محضري الخصوم بتبليغ الخصم في الموعد الذي اعتذروا منه لقربه فكان كما أريد ... ذهبت لفضيلة ناظر القضية فوجدت الطلب العاجل قد سبقني وكانت مفاجأة لاينكرها إلا جاحد وهي أن ناظر القضية وبرحابة صدر وحسن خلق وتفان كبير ومن بين العديد من جلسات التقاضي قرأ ورقتي العاجلة وحدد لنا موعداً من الغد لابلاغ المدعى عليه بالطلب العاجل وسماع ما يدفع به ... نعم يوم واحد وأنا أنتشي سروراً وعجباً وكأني في محكمة هجرة من الهجر يفرح موظفوها بالداخل عليهم خشية أن تنقل المحكمة عنهم لقوم آخرين ،،، اشتغلت بإبلاغ المدعى عليه لحضوره في الغد وبالفعل تم حضور الطرفين في سيناريو قصة أشبه ما تكون بالخيال في محكمة عظيمة كالرياض وانقضت الجلسة بصدور قرار وقف التنفيذ بشرط الكفالة عند كاتب العدل توثقة للحق الذي تضمنته الورقة التجارية ... إنها نهضة كبيرة يجب أن يشكر ربان القضاء عليها فجحدها وإنكارها ليس من المروءة في شئ فالشكر والحمد لله أولا وأخيراً ثم لمعالي وزير العدل ورئيس المجلس الأعلى للقضاء الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسي الذي نقل القضاء السعودي من دائرة الاتهام بالمماطلة والبطء في تحقيق العدالة حتى اضطرت الكثير في الخارج من الإحجام عن الاستثمار و أخافت العديد في الداخل من التعاقد وألجأت الكثير للتنازل عن الحقوق خشية الدخول في دوامة التقاضي المملة إلى أن حققت المحاكم رقما قياسياً في تقارب مواعيد التقاضي واصدار الأحكام وتنفيذها حتى اشتكى لي أحدهم أن المحكمة خلعت زوجته منه في جلستين أو ثلاث في أقل من شهر ولم تمكنه من تعذيب زوجته سنوات عجاف تحت مباركة القضاء في سالف الزمن ،،، ثم الشكر لكل رئيس أحسن الإدارة والتعامل فحفظ مكانة أصحاب الفضيلة القضاة وحقوق ذوي المصالح والحاجات وقوم أداء الموظفين ووقف في وجوه البطالين في توازن حكيم وبدء بالذات ورسم القدوة بالأفعال قبل الأقوال ،،، والشكر والتحية والإجلال لكل قاض آثر نفع إخوانه وإنجاز مصالحهم واستعادة حقوقهم على وقته وصحته حتى أني ركبت سيارة أخي القاضي لأجد جدول يوم قضائي واحد يحتوي خمسا وعشرين جلسة قضائية كلها دعاوى في شأن الأسرة فسخا وخلعا ونفقة وحضانة وزيارة في قائمة تطول. إنه عمل احتسابي جليل وجدنا أثره في الدنيا وسيجدون أجره وأثره في الآخرة بإذن الله وصدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ( خير الناس أنفعهم للناس ). اللهم بارك لنا في قضائنا وقضاتنا ومن أعانهم وعاونهم ياكريم .... *قاضي التنفيذ بالمحكمة العامة بمكة المكرمة سابقا