الاقتصادية - السعودية من رحاب الكويت، دعت السعودية - ممثلة في وزارة العمل- إلى تطبيق مفهوم الحوار بين الدول المرسلة والمستقبلة للعمالة للوصول إلى تفعيل الدور المأمول، والسعي إلى درس وتطوير سبل مواجهة أي إشكالات تنشأ بين أسواق الدول ذات العلاقة، والحيلولة دون اتخاذ أي إجراءات أحادية الجانب مع ضرورة مراعاة جميع أطراف العمل من عمال وأصحاب عمل. وكانت الكويت قد استضافت قبل أيام اللقاء الوزاري التشاوري الثالث للدول الآسيوية المرسلة والمستقبلة للعمالة (حوار أبوظبي 3) بمشاركة 18 دولة، موزعة بين دول مستقبلة للعمالة (السعودية، والكويت، والإمارات، وعمان، وقطر، والبحرين، وماليزيا)، ودول مرسلة للعمالة (أفغانستان، وبنجلادش، والصين، والهند، وإندونيسيا، ونيبال، وباكستان، والفلبين، وسريلانكا، وتايلند، وفيتنام). وكان "حوار أبوظبي 3" يسعى إلى استعراض أفضل الممارسات الدولية في مجال حماية حقوق أطراف العلاقة التعاقدية، واستعراض البرامج التوعوية والتثقيفية الموجهة للعمالة للدول المشاركة، خصوصا البرامج التدريبية الموجهة للعمالة قبل انتقالهم للدول المستفيدة منهم، والمهارات التي يمكن أنْ يكتسبوها، وتطوير مفهوم الشراكات المرتبطة بالعمالة، وضوابط حاجات الدول المستقبلة إلى تلك العمالة، وتبادل الخبرات والممارسات لدعم الجهود بين الدول المشاركة. وأكد الدكتور مفرج الحقباني ممثل السعودية نائب وزير العمل أهمية اللقاء الوزاري التشاوري، الذي يأتي امتدادا ل"حوار أبوظبي" باعتباره منصة تجتمع فيها الدول المرسلة والمستقبلة للعمالة لحل الإشكالات التي تطرأ على أسواق العمل، سواء أكان في الدول المستقبلة أم المرسلة للعمالة، مشددا على ضرورة عدم تغليب مصلحة العامل على حساب مصلحة صاحب العمل. وأشار نائب وزير العمل إلى أن السعودية تستضيف العمالة الوافدة، وتتعامل معها على أساس أنها تسهم بفعالية في التنمية الاقتصادية وتؤثر وتتأثر في النسيج الاقتصادي والاجتماعي، مضيفا: "نقدر لدول هذه العمالة جهودها في الإسهام معنا في نهضتنا التنموية". إن ما تقدم يلخص مشهدا من مشاهد اللقاء، الذي عقد في الكويت، وهو مشهد لا ينفصل عن مشاهد الجولات المحمومة لوزارة العمل ومفاوضاتها مع الدول الآسيوية للاتفاق على الشروط، التي تنظم عمل عمالة المنازل والمؤسسات، وهي مفاوضات يعتريها الشد والجذب، وفي بعض الأحيان تصاب بالجمود، فتتوقف لفترة من الزمن! وغالبا ما تتركز الخلافات أثناء التفاوض على راتب العامل والظروف المحيطة به، وهي ليست ظروفا تتعلق بالصحة أو السلامة، بقدر ما تتعلق بالحياة الاجتماعية للعامل، وبعضها لا تتفق مع طبيعة المجتمع السعودي (كمنح العاملة المنزلية يوم إجازة خارج المنزل!). لكن بكل صراحة تظل السعودية - ومعها دول الخليج- سوق العمل الأرحب للعمالة الوافدة الآسيوية، لا أقول ذلك لأنني مواطن سعودي أو خليجي، وإنما أقول ذلك بناء على ما نراه على أرض الواقع، فالعمالة الآسيوية تحظى بالمزايا والحقوق في البلدان التي تعمل بها (بلدان الخليج) أكثر مما تحظى به في البلدان التي تنتمي إليها، فعلى سبيل المثال، نجد أن سوق العمل السعودي يمتاز بسمات عديدة تنحاز إلى مصلحة العامل الأجنبي (والآسيوي هو المستفيد بالدرجة الأولى)، وهي: عدم وجود أي نظام ضريبي يستقطع من رواتب العمال الأجانب، بل لا يوجد أي نظام يستقطع من تحويلاتهم المالية إلى الخارج. إلزام صاحب العمل بتحمل جميع الرسوم الحكومية حتى الخاصة المرتبطة بالعامل الأجنبي من التأشيرة إلى رخصتي العمل والإقامة، إلى الفحص والتأمين الطبيين، بجانب تحمل نفقات النقل والسكن. حرية تنقل العامل من صاحب عمل إلى آخر (نقل الكفالة أو الخدمات)، بل إن هذه الميزة ازدادت بعد تدشين برنامج "نطاقات" في السعودية، حيث أجازت وزارة العمل لعمال المنشأة الواقعة ضمن النطاق الأحمر حرية التنقل إلى منشآت النطاق الأخضر دون موافقة صاحب العمل. التساهل في شروط استقدام العمالة الأجنبية (الآسيوية) دون التحقق من مؤهلاتهم، ما جعلنا نستقدم نسبة كبيرة من العمالة الأمية والرديئة (85 في المائة) تفتقر إلى الحد الأدنى من المهارات. ولنتخيل أنه مع وجود كل هذه المزايا وغيرها في سوق العمل السعودي، نلاحظ أن القدرة التفاوضية لوزارة العمل لا ترتكز على "القوة" التي نتمناها، وكثيرا ما نخشى انصياع الوزارة إلى شروط هذا البلد أو ذاك، رغم أن لنا اليد العليا في الفضل على تلك البلدان، سواء من حيث المعونات الإنسانية أو من حيث استقدامنا لعمالتها، ومساهمتنا في تخفيض معدل البطالة عندها وتحسين مستوى الدخل لديها، مع إدراكنا أنها عمالة غير مدربة، وأننا نتيح لها فرصة العمل والتدرب عندنا! يجب أن تعزز وزارة العمل السعودية- ووزارات العمل الخليجية الأخرى- قدراتها "التفاوضية"، من خلال تغيير معطيات أسواق العمل في بلدانها، بحيث ترجح الكفة لمصلحتهم، وأبرز تغيير يتم هو إيقاف نقل الخدمات (الكفالة) عن العمالة الآسيوية فقط، واستخدام هذا الإجراء كورقة ضغط بيد الخليجيين. فإيقاف نقل الخدمات عن العمالة الآسيوية سيجعل العامل الآسيوي، ومعه دولته التي تفرط في "دلاله" يدركون أنه لن يكون بمقدور العامل (الآسيوي) أن يتنقل- كحال العمالة الأجنبية الأخرى- كيفما يشاء في أسواقنا الخليجية، ويجعلهم يدركون كذلك أن العامل (الآسيوي) مرتبط بصاحب عمل "واحد" أبرم معه العقد الأصلي، وقدم إلى السعودية أو الخليج بموجب تأشيرته، يبدأ معه، وينتهي معه بالخروج النهائي لإفساح المجال لعامل خليجي يبحث عن عمل، وإن تعذر فيكون عاملا أجنبيا أكثر مهارة من ذلك العامل المغادر. إن إيقاف نقل الخدمات عن العمالة الآسيوية من قبل دول الخليج يعني تقصير مدة خدمة العامل الآسيوي إلى مستويات تشكل تهديدا على اقتصاديات الدول المرسلة للعمالة (وهي التي تهددنا بإيقاف تصدير عمالتها مع رداءتها!)، وخسارة للعمالة ذاتها، لأنها تضطر إلى العودة إلى بلدانها، وتبدأ رحلة البحث مرة أخرى عن وظيفة جديدة في دول الخليج أو غيرها. فالسعودية ومعها بقية دول الخليج لها الأيدي العليا، لذلك إذا حاولت دولة آسيوية أن تهدد أو تعرقل أو تجمد مفاوضات استقدام العمالة من جانبها، فهناك دول تتسابق إلينا وترغب في تحسين مستوى دخلها بإرسال عمالتها إلى الخليج، فالكثير من الدول الآسيوية لم يكن في مقدورها أن تحقق تنمية اقتصادية لولا استقبال السعودية ودول الخليج لعمالتها الماهرة وغير الماهرة! وإذا لم تستطع دول الخليج أن تستخدم أوراق ضغط عند التفاوض مع دول العالم في ملفات كبرى كالنفط والعمالة الوافدة وغيرها حفاظا على مصالحها الاستراتيجية، فإنه يحق لنا أن نتساءل عن المغزى من وجودنا في هذه الحياة!