الاقتصادية - السعودية يسهل ربح النقاط في لعبة الورق "البالوت" ولكن قوانينها كثيرة ومعقدة نسبيا، وهنا تحصل المتعة وتكتمل فكرة اللعبة. الخطأ السهل يحملك الخسارة كاملة، والالتزام بالقوانين يكفيك لحصد النقاط بينما الاندماج في اللعبة يعني المزيد من الكسب. وهذا شأن الكثير من الأمور التي لا تستمر إلا بوجود الحافز والعقاب والربح والخسارة. ومثل ذلك حالة الشركات المساهمة، فهي تدار وفق قوانين وأعراف تحفز نجاحها وتعاقب إداراتها عند الخطأ، وتمنحها في الوقت نفسه الاستقلالية الكافية للقيام بكل ذلك. خروج قضية بحجم قضية موبايلي المتعلقة بعكس الأرباح المقيدة بالخطأ قد يؤثر محليا حتى في تصورات مجتمع المساهمين نحو التقارير المالية ومستوى فهمهم لها، ناهيك عن التأثيرات المباشرة في السوق وما قد يستجد من أخبار وأحداث في الأيام القادمة. لا يخرج هذا التعديل عن مثيلاته من التعديلات والتصحيحات المحاسبية التي تراوح بين تصحيح سوء التقديرات البريئة وبين إخفاء التلاعب الفاضح وبينهما درجات متعددة من "التكحيل" الذي يقبله البعض ولا يقبله الآخرون. ولكن من الذي يتاح له الحكم هنا؟ وهل ننتظر من أحد أن يتدخل في عمل الإدارة ما دام العمل مقبولا من النواحي الحسابية والنظامية؟! تفاعل المساهم مع بقية الأطراف (كالإدارة ومجلس الإدارة ومراجع الحسابات وغيرهم) يحدد سلوكياتهم تجاه بعضهم البعض، وفق التشريعات الموجودة التي "يفترض" أن تمكنه من أن يتحول إلى تفاعل محمود ومؤثر! المساهم مثل صاحب الحلال إذا ابتعد أو أساء التصرف خسر أمواله، وإذا اقترب وتدخل بعناية حافظ عليها وكسب منها. الشاهد أن إداركنا العلاقة يتمم معناها كما أن فهمنا اللعبة يجعلها ماتعة؛ لذا قبل أن يتسرع أحدهم ويكيل الاتهامات لإدارة شركة ما أو لمراجع الحسابات أو للمعايير المحاسبية أو حتى لمُنظم السوق، لا بد من أن يتأكد أولا من فهم الكيفية التي تعمل بها كل هذه الأطراف، وكيف تتم حوكمة علاقاتها وفق التشريعات الموجودة. وهذا الدور يتضاعف محليا، فعلى المساهم الرفع من وعيه المالي والاستثماري وتحمل بطء التغييرات وتغيير الصورة النمطية عنه ثم بعد ذلك التدخل بإيجابية لإحداث التغيير. تعمل المعايير المحاسبية بالسهل الممتنع وتمنح الشركات الكثير من الخيارات والفُسح، ولكنها في الوقت نفسه تقوم على مبادئ محددة ومطالبات واضحة. قد يظن مستخدم المعايير أن الأمر متاح له أو يمكن تجاوزه بسهولة لكنه يقع في الخطأ الجسيم الذي يفضحه أمام الجميع، حينها بالطبع سيتحمل مسؤوليته بالكامل. لم يكن هذا الوضع وليد الصدفة أو ابتكارا مفاجئا، بل إنه المخرج الوحيد الذي وصلت إليه هذه التطبيقات بعد عشرات السنين من التعلم والتجربة، حيث إن المبالغة في تطبيق هذه القوانين تؤثر سلبا في استقلالية إدارة الأعمال والعمل من دونها سيجعل المهمة مستحيلة. كان لابد من هذا المزيج التفصيلي المرن، بقدر معقول ومقبول من الحصافة والدقة التي تتطلب من مستخدميها قدرا أكبر من العناية، لا تظهر للآخرين عند القيام بها ولكن التقصير فيها بوضوح الشمس. تمنح هذه المرونة – التي تتقلص اليوم باستمرار – القدرة على توظيف المعايير المحاسبية للظروف المختلفة ولكنها نفسها ما يمنح القدرة على الغش والتدليس. وهنا، تصنع كل هذه العناصر – بيئة الأعمال، والحوكمة، وتفاعل الأطراف المشاركة – أكثر من حائط يحمي هذه الأموال ويسمح لها بالنماء، وهكذا تحكم اللعبة، بالحافز والعقاب وفسحة التصرف والقرار. يبنى أول حوائط الصد بثقة المساهمين في الإدارة. تقوم هذه الثقة على اختيار المديرين المؤهلين وتفترض العمق الأخلاقي الرادع، الذي يتبنى الأمانة والنزاهة وما يتبعهما من قيم وسمات. أما الحائط الثاني فهو يقوم على وجود القوانين والتشريعات الكافية التي تضمن سلاسة العمل وانضباطيته. والحائط الثالث – وهو غير موجود محليا – يقوم على تفاعل المستثمر مع الإدارة وضغطه عليها بالتواجد والتفاعل القائم على الوعي. في بلدان أخرى يتدخل المساهمون حتى في تشريع المعايير المحاسبية وليس تطبيقها فقط. والحائط الأخير يتعلق بجودة الأدوات القضائية التي تضمن الحقوق وتيسر استعادتها. تخيل أن شكوى المساهم تتحول إلى أمر قضائي بمراجعة أوراق عمل مراجع الحسابات وإدارة الشركة ومعاقبة المتسبب والتشهير به، سيحرص حينها كل مسؤول على بذل العناية اللازمة بعناية، سيحرص على ألا يقع في الخطأ السهل، إطلاقا! هناك دائما من يبني هذه الحوائط ويتأكد من فاعليتها وهناك دائما من تسول له نفسه محاولة القفز عليها أو تيسيرها لقفز الآخرين. الشركة المساهمة مثلها مثل أي لعبة، تعمل وتكتمل متعتها بالحافز والرادع والفسحة. دون الحوائط لن تبقى الأموال ودونها لن تأتي أيضا.