مال السعودية بعد جدال واسع وتغطية واهتمام كبير بين مختلف طبقات المجتمع لاكتتاب البنك الاهلي التجاري والذي اغلق ابواب اكتتابه بعدما حصد 311 مليار ريال من خلال 1.26 مليون مكتتب وبنسبة تغطية كبيرة ( كقيمة ) وصلت الى 2307 % من قيمة الاكتتاب . هذا الاكتتاب الذي كان محور الحديث في صالونات الاثرياء والذي كان اكثر جاذبية لهم بعدما ظهرت نسب التغطية المنخفضة من قبل الافراد وذلك الى اليوم الحادي عشر من بداية الاكتتاب . تلك النسبة المنخفضة والتي بلغت 50.3 % قبل نهاية الاكتتاب باربعة ايام عمل ، جعلت تلك النخبة سعيدة بضعف الاقبال على السهم ، لان ذلك يعني افراغ الساحة لهم للاكتتاب بكميات كبيرة والاستفادة من العروض المقدمة من البنوك بتقديم تسهيلات تصل الى 1 : 10 او اكثر . لقد لعبت البنوك دورا هاما في تسويق منتجها تقديم التسهيلات النقدية للاكتتاب في البنك الاهلي التجاري وبتكلفة 1000 ريال / مليون ريال كمتوسط بين البنوك وقد بلغ في بعضها 3000 ريال / مليون ريال . وتم وضع الطعم والتسويق لاصحاب الثروات بان هذا الاكتتاب هو الاكبر من نوعه وانه فرصة غير متكررة قد تمكنهم من مضاعفة ثرواتهم بالاستفادة من تلك التسهيلات البنكية المقدمة والتي تمكنهم من الاكتتاب بمليار ريال مقابل 100 مليون ريال . ساهمت هذه العروض المغرية الى اقبال الكثير من رجال الاعمال الى فكرة المساهمة في اكتتاب البنك الاهلي التجاري وبكميات ضخمة املا في تحقيق مكاسب سريعة بعد طرح السهم للتداول . وهذا ما يفسر جنون الاثرياء ورجال الاعمال في الايام الاخيرة وتدافعهم للاكتتاب باكبر قيمة ممكنة وتغطية الاكتتاب بنسبة تفوق ثلاثة اضعاف توقعات اكثر المحللين تفاؤلا . ولكن لم ينتبه اصحاب المحافظ الكبيرة لذلك الفخ الا بعد انتهاء الاكتتاب وظهور نسبة التغطية الكبيرة . لان ذلك يعني ان فرصة الحصول على كميات كبيرة من تخصيص الاسهم لهم قد تلاشت ، حيث ان التخصيص بعد تغطية الاكتتاب ب 23 مرة ستكون منخفضة جدا ولا تتناسب مع جحم الاموال التي تم الاكتتاب بها ومصاريف التمويل التي تم تحملها . وان الرابح الاكبرمن هذه العملية هي البنوك التي قامت بتقديم تلك التسهيلات وحصلت مقابلها على عوائد نقدية كبيرة قد تصل الى 250 مليون ريال ( تكاليف التسهيلات الف ريال لكل مليون ريال ) وذلك بافتراض ان 250 مليار ريال من قيمة الاكتتاب هي تسهيلات نقدية مقدمة من البنوك ، وقد تكون اكثر من ذلك . ولتفصيل ذلك بعملية حسابية وبمثال بسيط ، لنفترض ان شخص حصل على تسهيلات نقدية من البنك بمبلغ مليار ريال مقابل 100 مليون يملكها . بذلك ستكون التكلفة للتمويل المقدم له مليون ريال ( بواقع الف ريال لكل مليون ريال ) . واذا علمنا ان متوسط قيمة الاكتتاب للافراد هي 9000 ريال لكل فرد وهي تعادل 200 سهم ، وذلك بناءا على حساب اليوم الحادي عشر للاكتتاب وقبل دخول المحافظ الكبيرة . وباسقاط هذا المتوسط على عدد المكتتبين النهائي فان نسبة التغطية لاكتتاب الافراد العاديين ستكون 84% وهو ما يعادل الاكتتاب ب 11.34 مليار ريال ( 252 مليون سهم ) . معنى ذلك ان ما سيتم تخصيصة للمحافظ الكبيرة هو المتبقي من اجمالي قيمة الاكتتاب وهو ما يعادل 2.16 مليار ريال . واذا كان الفائض من الاموال المجمعة للاكتتاب هو 297 مليار ريال ، وبافتراض ان باقي الاسهم سيتم تخصيصها بالتساوي تم افتراض ذلك لعدم وجود بيانات متاحة معنى ذلك ان المستثمر في المثال السابق و المكتتب ب 1.1 مليار ريال سيحصل على نسبة 0.0072 % من الاسهم الفائضة بعد التخصيص للمحافظ الصغيرة . اي انه سيحصل على 176 الف سهم بما يعادل 7.92 مليون ريال . هذا المستثمر في الواقع وبناءا على الارقام السابقة لن يحقق ارباح كبيرة ولن يحصل على ما تم التسويق له من تعظيم ثروته بشكل كبير من خلال هذا الاكتتاب ، لانه في الحقيقة مع حساب تكلفة التمويل سيحتاج الى بيع السهم ب 50.68 للوصول الى نقطة التعادل . او بيعه ب 55 ريال لتحقيق ربح 760 الف ريال فقط من قيمة استثماره الاصلية والبالغة 100 مليون ريال . اي ان ما حققه من ذلك الاكتتاب هو في الواقع اقل من 1 % فيما لو تم بيع السهم ب 55 ريال . ولكن ماذا لو تم تخصيص عدد اسهم اقل خصوصا وكما تم الاعلان عنه من قبل مدير اكتتاب البنك الاهلي ان التخصيص لصغار المساهمين سيكون ب 2000 سهم كحد اقصى بشكل كامل . معنى ذلك ان ذلك المستثمر قد يحتاج الى بيع اسهمه بسعر يفوق سعر الاكتتاب لتغطية تكاليفه . خلاصة ذلك كله ان الرابح الاكبر من هذه اللعبة هي البنوك والتي استفادت من خلال منح التسهيلات الضخمة في فترة وجيزة والتغرير برجال الاعمال واصحاب النخبة بتعظيم ثرواتهم وضخ مئات المليارات في اكتتاب نجح نجاحا كبيرا في نسبة تغطيته كقيمة ولكنه فشل في تعظيم ثروات رجال الاعمال واصحاب المحافظ الكبيرة وبدد احلامهم .