الحياة اللندنية يحظى فهمي هويدي بأهمية خاصة في أوساط «الإخوان»، ليس لموقعه الحزبي بل لبراعته في التواصل مع وسائل الإعلام وبقائه كاتباً معتبراً لنحو ثلاثة عقود، حتى ليبدو معادلاً للقرضاوي من حيث القيمة والتأثير، لمهارته في خدمة المواقف الإخوانية، باعتباره آخر بقايا العهد «الإخواني» المتآكل وأكثرهم توازناً وحكمة مقارنة بآخرين يغلب عليهم التوتر والنزق بحكم حمى «تويتر»، كما هو حال ياسر الزعاترة. لم يكن هويدي يتوقع سقوط «النهضة»، وهو الذي احتفى بها عام 2011 شامتاً بالخاسرين، ف «المفارقة أن المجموعات العلمانية واليسارية التي ظلت مهيمنة على الفضاء السياسي والإعلامي التونسي طوال العقود التي خلت، لم يتجاوز حصد أي منها من المقاعد عدد أصابع اليد الواحدة. وهي ذاتها التي ملأت الشارع صخباً وضجيجاً أثناء اجتماعات المجلس التأسيسي». في عام 2014 يسجل التاريخ أن أنصار الرئيس القمعي الذي خنق «النهضة» هم الذين انتصروا عليها بعد أن توسدت السلطة في تونس متضامنة مع المرزوقي، فقرر الشعب التونسي إبعاد الأولى وهو في طريقه لإقصاء الثاني. الصناديق التي قالت «نعم» في مصر قالت «لا» صاخبة في تونس، هي «لا» جاءت بعد تجربة وامتحان، فكانت نفياً وإقصاء لفشل كاد أن ينقل تونس من بهجة الياسمين إلى حياض دمائه. «النهضة» التي ذوبتها العلمانية التونسية من كل جذورها الإخوانية العريقة فشلت في إدارة السلطة، لأن علاقة الرضاعة مع الجماعة أورثتها جيناً مهووساً بالسلطة وعاجزاً في الوقت ذاته عن إدارتها إن نال كرسيها. كانت «النهضة» آخر بوابات الأمل الإخواني حتى وإن كانت هجيناً غير كامل الولاء، لذلك جاءت سقطتها لتؤكد أن طريق «الإخوان» مسدود، وأن أوهامهم في تسلّم السلطة سقطت ممارسة ونفيت شعبياً، سواء أكانت بالثورة في مصر أم عبر صناديق تونس. يقول فهمي هويدي مبرراً ومحاولاً كتم أوجاعه، إن إخوان تونس «خسروا المقاعد وكسبوا الاحترام»، وهو قول مخالف للواقع، لأن «النهضة» حين تسلّمت السلطة لم تستطع اختراق الجيش، فاستكانت للحال العام، وحين هزمت لم يكن في يدها سلطة الثورة أو التغيير، خصوصاً أن الذي هزمها رجال تونس العلمانيون المنتمون إلى جيل ما قبل الثورة، فكأن الشعب أيقن أن مصيره مع «الإخوان» إلى ضياع، فعاد إلى من يعرفون السياسة، وإن كانوا ينتمون إلى حقبة رئيس طردوه، بل إن الرئيس المرزوقي خريج سجون ابن علي، فقد كلَّ وهجه فتراجع، فلم يبلغ حصاده «عدد أصابع اليد الواحدة». يعيش فهمي هويدي حال ارتباك، فإخوانه في ليبيا «فجر الثورة» أصبحوا ليلها النائم، ورفاقه «حزب الإصلاح» في اليمن تبخروا، أما أهله وعشيرته في مصر فانتفض عليهم الشعب قبل أن يدير السيسي مسيرتهم. الربيع العربي الذي ظنه «الإخوان» بداية حقبتهم أصبح مقبرتهم، فالمصريون تنكروا لصناديقهم المخاتلة، والتونسيون استعادوا جوهر صناديقهم، أما في أماكن أخرى، فإن الشتات هو السمة والطابع والحال. يزعم هويدي بعد إفاقته من صدمة الخسارة، أن «النهضة» كان يجب أن تخسر حتى لا يتهمها أحد باحتكار السلطة، لكنه يتجاهل أنها لم تفعل ذلك لعجزها وقلة حيلتها، لأن الدروشة لا مكان لها في تونس، ولو كان منصفاً لذرف الدمع على آخر مملكة إخوانية، لأن المنتصر خصم علماني ينتمي إلى «الفلول» ويصادم حركة النهضة، فاختاره التونسيون لأنهم ينبذونها أصلاً. لا ضير عليك يا أستاذ فهمي، فأنت كاتب مجيد، وإن انقرض «الإخوان» فسيبقى لك صفحة في جريدة تملأها بالحديث عن الحريات التي كنت تظنها سيفاً لجماعتك فاستحالت طعنة قاتلة لهم.