الرياض - السعودية عدت للتو من رحلة قصيرة، امتدت لثلاثة أيام، في إحدى دول الخليج العربي، والتي لا تبعد عنا كثيراً، ولعلها أكثر الدول شبهاً بنا. عدت وفي قلبي وعقلي الكثير من الأسئلة التي لم أجد لها إجابات شافية، أو لأكن أكثر صراحة، هي إجابات مضحكة ومحزنة في آن معاً، ولا أجدني ميالاً حتى لسردها في هذه المساحة التي تستحق أن يكتب فيها ما يهم القارئ. في تلك الأيام الثلاثة، عشت الفرح والبهجة والمتعة، عشتها بشكل حقيقي وصادق، تماماً كما لو أنها المرة الأولى التي أمسك بها خيوط السعادة الحقيقية التي كنت أبحث عنها منذ زمن. فقط، بمجرد أن تلقي بجسمك المنهك على مقعد الطائرة التي تأخذك إلى هناك، بعيداً عن أسوار نفسك، تبدأ من لحظتها تباشير التحرر من ذرائع واهمة وقناعات متصلبة بلاءات اجتماعية حاجزة، منها ما يود لو كان بمقدوره إعاقة مسيرة التطور والتنمية الوطنية. لا أريد أن أبدو، كما لو كنت منظراً ينسج بكائية جديدة تضاف إلى كل تلك البكائيات والحكايات المملة والحزينة. لا، أنا لست كذلك، ولا أريد أن أكون كذلك. فقط، أنا أتساءل، بل يبدو أننا جميعاً نتساءل: ما الذي ينقصنا لكي نكون كالآخرين؟ وأنا هنا، أقصد تحديداً، صناعة الفرح والبهجة والسعادة، تلك الصناعة التي نجحت بامتياز في الكثير من الدول والمجتمعات البعيدة والقريبة، بينما مازالت حبيسة في مربعها الأول في وطننا الذي لا مثيل له على الإطلاق في وفرة مصادر ومعالم وملامح التنوع والتعدد والثراء، وعلى أكثر من صعيد ومستوى. مكةالمكرمة بكعبتها المشرفة، المدنية المنورة بحرمها النبوي، نجران بأخدودها، جازان برقصاتها وأهازيجها، العلا بمدائنها ومنحوتاتها، تاروت بقلعتها البرتغالية، جدة بتسامحها وسحرها وانفتاحها، حائل بكرمها وتمدد قبائلها، أبها بجبالها وغيمها ومدرجاتها الخضراء، الطائف بوردها ورمانها وأجوائها، والأحساء بعيونها ونخيلها، والقصيم بتمرها وحكاياتها.. السعودية، هذه القارة الشاسعة، والتي تغص بكل ملامح التنوع والتعدد والثراء، في جغرافيتها وتاريخها ورقصاتها ولهجاتها وفلوكلوراتها وأزيائها، وقبل كل ذلك، إنسانها الممتلئ كرماً وبساطة وطيبة. السؤال إذن وللمرة الألف: ما الذي ينقصنا لكي نحتفظ بكل تلك الملايين الهاربة في حقائب تزدحم بتلك الرغبات والأمنيات التي تبحث عن الفرح والمتعة والدهشة، والكثير من التفاصيل التي تصنع حياة طبيعية. أعرف أنه سؤال طويل ومعقد، ولكنه يحمل بين طياته حسرة وحزناً على ذلك النزف الهائل من الطاقات والثروات والفرص. فالسياحة، أحد أهم القطاعات التي تدر المليارات وتوفر آلاف الفرص لشبابنا، وتعيد بوصلة التوازن النفسي والفكري والثقافي لمجتمعنا، ولكنها كما يبدو بحاجة إلى المزيد من إيجاد الصناعة لها بإرادة حقيقية منا وقناعة راسخة ورؤية واضحة في مخيلتنا. لا أريد الدخول في متاهات التبريرات الواهية، ولا أزقة الأسباب المعلبة، ولكنني أشفق على مجتمعي من ضياع كل تلك الفرص الرائعة التي ستجعل من وطننا الجميل، هو قبلة السياحة، لنا ولغيرنا. فهل حقا نحن مازلنا في مرحلة التطور، وبأن هذا الملف الكبير يتطلب عقوداً طويلة، أو أنها الخصوصية التي تميزنا عن الآخرين مما يضيق خياراتنا، أو تلك الموانع الدينية والاجتماعية والأخلاقية التي تعيق ذلك؟ أعرف أنها أسئلة معقدة وكبيرة، ولكنها تقريباً على لساننا جميعاً.. فعلى نفس ذلك المقعد، لتلك الطائرة، في رحلة العودة للوطن، وهي تحملني، تبدأ من جديد دوامة الأسئلة. هبطت الطائرة، ولكن الإجابات مازالت معلقة بين السماء والأرض.