الاقتصادية - السعودية سأطرح على كل مهتم من القراء والشباب منهم خاصة سؤالا، يعمل على تسهيل جواب السؤال المعنون به المقال. بين لنا أو اشرح لنا معنى قدرتك على الادخار؟ أي وضح لنا المقصود بقدرتك على عدم صرف كل دخلك، بل الاحتفاظ بجزء منه بصورة مستمرة ليتكون لديك بعد فترة طويلة مبلغ محترم. ولا ننس أن القليل مع القليل كثير. لو طلب منك فماذا سيكون جوابك؟ هذا الرد يبين إلى حد كبير إجابتك عن السؤال عنوان المقال. أتوقع أن يدور الجواب على قدرة الواحد على التضحية وضبط نفسه بحيث يعزم عزيمة قوية على تخصيص أو حجز قدر أو نسبة مئوية صغيرة من دخله الشهري، بحيث لا ينفقه تحت أي ظرف لمدة طويلة كعشر سنوات أو أكثر، أي كأنه لا يملكه طوال هذه المدة. لنفترض أن متوسط دخلك ولنقل راتبك مدة خمسة عشر عاما هو 8000 ريال شهريا. ما قدرتك على ضبط نفسك بحيث تجبر نفسك على توفير قرابة 5 في المائة من دخلك الشهري، مثلا ما متوسطه قرابة 400 ريال شهريا، كأنك تفترض افتراضا جادا أن دخلك الشهري أقل بنسبة 5 في المائة، أي هو أصلا 7600 ريال، وليس 8000 ريال؟ أتوقع أنه يفترض أن تتوافر لدى الأغلبية تلك القدرة على ضبط النفس في الصرف بحيث توفر 5 في المائة من دخلها الثابت. وهنا يتجه الموضوع إلى تلك النسبة ال 5 في المائة، أي حجم الادخار الشهري. عاملان يحددان حجم ادخارك: مستوى دخلك وعمرك. أهمية العامل الأول يبين أن مستوى الدخل أقل كثيرا مما يتوقع أو يتوهم أكثر الناس، أعني في اكتساب عادة الادخار، ولكن أهميته في تحديد قدر ادخارك الشهري، أي حجمه. والكلام على عموم الناس، حيث لا إنكار لوجود حالات خاصة أو شاذة. حجم ادخارك له علاقة أيضا بعمرك، صغر عمرك يعني غالبا صغر دخلك وصغر نسبة ادخارك من دخلك. لكن صغر الادخار الشهري يعوضه مدة الادخار. ولذا كلما كنت أصغر قلت أهمية حجم ما تدخره، لأنه مع السنين سيكبر. والكلام هنا عن الموظفين عادة دون سن الأربعين. تصور أنك تدخر نحو 5 في المائة من راتبك منذ أن توظفت وأنت في العشرينات من عمرك، وتصور أنك استثمرت بعضا وليس كل هذا المبلغ في عمليات استثمارية بسيطة في جهات مرخصة تحت إشراف جهات حكومية كالصناديق التي تطرحها مصارف. تصور كم سيبلغ حجم ادخارك كله بعد خمسة عشر عاما عندما يكون عمرك 40 سنة أو يزيد قليلا؟ سيبلغ في المتوسط قرابة 150 ألف ريال، وقد يزيد على ذلك اعتمادا على عوامل كثيرة. عندما تكون في وضع لتبدأ الاستثمار في الأسهم والصناديق وغيرها من أوعية استثمارية معروفة وليست مغامرات استثمارية، يمكنك تحويل بعض مدخراتك من حساب جار أو نحوه إلى حساب استثماري. بعض الحسابات الاستثمارية تتطلب حدا أدنى يتجاوز ما ادخرته، لكن حسابات أخرى لها شروط وحدود أقل، والأمر يتطلب بحثا واستشارة من تثق في أمانتهم وعلمهم وخبرتهم. المقصود أن عادة الادخار ليست مسألة مزاجية أو غير ممكنة التحقيق إلا بدخل مرتفع، بل بانضباطك، وتضحيتك بالاستهلاك والصرف الحالي. صحيح أن لها علاقة بحجم الدخل لكن لك أن تعالج هذا الأمر بادخار صغير كأنه أصلا ليس جزءا من راتبك، كما بينت في بداية المقال. المهم أن تكون لديك العزيمة وأن تجد من أهلك أو أصحابك من يعينك وليس يثبطك. للادخار فوائد أخرى. يساعد على ضبط السلوك الاستهلاكي، وتحقيق قوله سبحانه "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما". لماذا تنجح شعوب كثيرة في تكوين مدخرات عالية رغم أنهم أقل دخولا في المتوسط من دخولنا؟ طبعا الأسباب كثيرة، ولكن يجمع بينها وجود ثقافة ادخار. وهذه قضية بل قضايا تتطلب بنية تقدم توعية ومشورة مؤثرة في سلوك أفراد المجتمع، وتنمي لدى الشباب روح الادخار. كما تتطلب تطوير بنية مؤسسية تسهم في حفظ وتنمية المدخرات الصغيرة. كيف؟ أرجو أن أكتب تفصيلا أكثر عن ذلك مستقبلا.