الاقتصادية - السعودية وعبد المعين.. هو ذلك الذي يشير إليه المثل الشعبي المشهور: "جبتك يا عبد المعين تعين، لقيتك يا عبد المعين تعان"، وقد كانت التأمينات الاجتماعية التي ظلت لعقود تقتطع نسبتها من رواتب موظفي القطاع الخاص ومن منشآته، كانت في حسبان الجميع هي "عبد المعين" الذي عول عليه موظفو القطاع الخاص في أن يكون عونا لهم في "الاطمئنان" إلى صرف رواتبهم بعد التقاعد، لا أن تقرع المؤسسة العامة للتأمينات جرس الإنذار فجأة وتنفخ بوق الخطر عن مستقبل مقلق يحمل شؤم تبخر أموال الناس عند المؤسسة في مدى ال 15 عاما المقبلة. وقد لجأت المؤسسة إلى معالجة هذه المعضلة على حساب القطاع الخاص موظفين ومنشآت تحت تعويذة "ساند" الذي يطلب من الجميع الرضوخ له والإذعان لحسم 1 في المائة من الراتب ومثله من خزانة المنشأة الخاصة، بحجة أن ذلك سيمكن مؤسسة التأمينات من ضمان استمرار صرف راتب لمن يعطل عن العمل.. موهمة أن من سيعطلون يمثلون النسبة الغالبة، وأن تعويذة "ساند" إنما جاءت بالأساس غيرة عليهم.. فيما الحقيقة تشير إلى أن نسبة من يتعطل عن العمل لن تتجاوز 5 في المائة في أقصى تقدير. إن التمترس وراء البطالة لتبرير برنامج "ساند" وضخ أموال شهرية من القطاع الخاص لخزانة التأمينات إجراء معيب وسيئ، تمت فبركته وطبخه للتغطية على خلل عميق في إدارة استثمارات التأمينات.. وليس من الحصافة ولا من الوطنية بصريح العبارة غض الطرف عن ملابسات هذه الفضيحة والتسليم بالأمر، على أساس أنه "لا ينفع الصوت إذا فات الفوت"! فالتأمينات، على مدى عقود لم يسبق لها أن أطلعت الناس على قوائمها المالية أو الكيفية التي تدير بها استثماراتها وأين هي، وغير ذلك مما لا يعلم عنه الجميع سوى مؤشرات إجمالية بين الحين والآخر يصعب إعرابها.. أو فك طلسمها، بل لا بد أن يتم فتح ملفات الاستثمار والتقصي والبحث عن الاختلالات البشرية أو الهيكلية التي أدت إلى أن تهرول المؤسسة للاستنجاد بتعويذة "ساند" التي كان ينقصها أن يقال: رغما عنك، خصوصا أن التأمينات لم ترجع لأخذ رأي الناس ب "ساند".. وإذا كانت تحتج بموافقة مجلس الشورى عليه، فهذا لن يعفيها من تجاوز أصحاب المصلحة الحقيقيين، ف "الشورى" ليس منتخبا لكي نعتبر موافقته تمثل الناس، فهو حاليا يمثل هيئة استشارية للنظر فيما يعرض عليه من قضايا ومشاريع أنظمة، ولذلك فلا يحق للمؤسسة اعتبار موافقة "الشورى" موافقة من الناس. إن الاعتراضات التي قامت ضد برنامج "ساند" دينيا أو حقوقيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا لا يبدو أنها ستوقف تنفيذ القرار، لكن، مع أخذ وجاهة كل تلك الاعتراضات، فسيظل عدم فتح ملفات استثمارات التأمينات، وسيرتها على مدى عقود مسألة لا ينبغي لها أن تمر دون تمحيص ومساءلة، لا تحت دوي طبول "ساند" ولا غيره. كان بإمكان المؤسسة، على سبيل المثال، إسباغ نكهة خيرية على "ساند" بدلا من المراوغة تحت ذريعة البطالة، وذلك باعتباره نوعا من "المسؤولية الاجتماعية" الذي كان أحرى بمؤسسة التأمينات أن تصارح الجميع به، وعلى أساس الفزعة الجماعية معها وهو ما يتناغم مع الطبيعة الخيرة للناس في التكاتف لمصلحة بعضهم بعضا، لا أن تمارس ستر عورتها تحت ذريعة من "قد" يتعطل والتغطية على اعوجاج استثماري تآكل لعقود.. حكايته ينبغي لها ألا تذوب في التبريرات، حتى لو كانت من وزن تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية.. فهذا مشجب لا سبيل لأن تعلق عليه تبعه اعوجاج استثمار عقود خلت وليس سنوات قليلة.