الاقتصادية - السعودية لا يبدأ من يريد التصحيح بمباشرة التصحيح الجاف والمتسرع، لأن الاقتصار على التصحيح الذي يخلو من الفهم الملائم والثقة الكافية يؤدي إلى الفشل. تشكل الثقافة المالية - على سبيل المثال - أحد أهم المواضيع التي نعاني فيها الضعف الواضح على المستوى العام. لكن التغذية المباشرة لمَواطن النقص قد لا تحل المشكلة، فلا نستطيع أن نقول إن ما ينقص الأفراد من معرفة مالية يمكن تعويضه بالقراءة أو الدورات فقط. البداية الأفضل يجب أن تكون أولاً بالاعتراف بما نملك من ثقافة مالية حقيقية، وهذا ما يمكن البناء عليه بعد ذلك بالتصحيح والتطوير. من دون ترتيب، أذكر مجموعة من التطبيقات التي قد تمثل أهم مؤثرات الثقافة المالية عند الأفراد، وفيها الكثير مما يمكن الاستثمار فيه من النواحي السلوكية والمعرفية. يمكننا البدء بالجموح الجماهيري تجاه سوق الأسهم وهو ما شكل طبقة جديدة من المعرفة المالية عند فئات متعددة من المجتمع، لم يكن من الممكن أن تتعرض معظم هذه الفئات لهذا النوع من المعرفة لو لم يحدث هذا الجموح. بالطبع، وُصم الكثير من هذه الممارسات بالسلبية، لأنها كانت وما زالت محصورة في آليات المضاربة التي تقوم على الإشاعات وتفتقد للفوائد المستمرة والدائمة. التعرض المعلوماتي المالي في هذه الممارسات يصنع ثقافة مالية مشوهة، إذ لا يسهم في تعزيز الثقافة الاقتصادية للفرد، ويكثر بدلاً عن ذلك تداول الأخبار المتناقَلة والتحاليل الفنية التي تعتمد على الماضي لا المستقبل. الجمعيات المالية، أو الإقراض الحسن التبادلي بين مجموعات الموظفين والموظفات (كالأطباء والمعلمين) يعتبر من أهم الأدوات الناجحة محلياً والتي تعزز قيم الادخار عند الأفراد. هي سلوكيات حسنة ترتبط بالتخطيط والترتيب والجدولة والعلاقات وتأجيل المشتريات والالتزام أمام مجموعة من الزملاء، وهذه كلها أمور مهمة مؤثرة في قدرة الأفراد على إدارة شؤونهم المالية، ينتج عن ممارستها مهارات متنوعة يمكن تنميتها والاستفادة منها. ترتيبات تملك المسكن، على الرغم من صعوبتها لدى بعض الفئات واستحالتها عند أخرى، تظل من أهم المواضيع التي تطرح للنقاش وتقيّم خياراتها وبدائلها في المجالس اليومية. وهذا يعني الاهتمام والاستكشاف لأسواق الأراضي ومواد البناء والأثاث والمقاولين وبقية مقدمي الخدمات، إضافةً إلى تناول طرق التمويل والادخار وربما المشاركة مع الآخرين كذلك. بما أن قضية تملك المسكن هي فعلياً المشكلة الاقتصادية الأولى عند المواطن اليوم، فإنها كذلك المصدر الأهم للمعرفة المالية التي يجب أن تستغل أولاً من القيّم على الأسرة لتمرير الأفكار الاحترازية والاقتصادية المختلفة، ومن ثم من الجهات التنظيمية باعتبارها مدخلا مناسبا لترويج السلوكيات المالية الحسنة. من أهم الخدمات الجانبية التي يجب أن تقدمها برامج الإسكان هي الحوافز المعرفية المرتبطة بالثقافة المالية للفرد والأسرة. إدارة الدخل الثابت، وهي تجربة تمارسها الأغلبية العظمى من الأفراد، تعج بالكثير من السلوكيات البسيطة والمهمة مثل توزيع المصاريف والادخار والاستقطاع المباشر. أسلوب ونتيجة التعاطي مع الراتب توضح مدى النجاح في الإدارة المالية، خصوصا على المدى القصير. ويتبع ذلك السفر أيضا، عندما تتأثر الفترتان السابقة واللاحقة للسفر بما يحدث في أثنائه من استهلاك للأموال أو استغلال للفرص. في هذه الأمور العديد من التجارب التي يمكن استثمارها والتعلم منها، أسوأ ما يمكن أن يحصل هنا هو تكرار الأخطاء نفسها على الرغم من تعدد التجارب. ربما تكون تجربة الحياة مع الراتب التقاعدي هي أكثر ما يرتبط بالتخطيط الاستراتيجي طويل الأجل من تطبيقات الإدارة المالية الشخصية. مستوى المعيشة بعد التقاعد هو على الأرجح مجرد نتيجة لإدارة سابقة أكثر من كونه إدارة حالية مباشرة. من السهولة أن نرى اليوم من حولنا أمثلة لأناس يمثل راتبهم التقاعدي مجرد نسبة بسيطة من مدخولاتهم بعد التقاعد، سواء تلك التي تصنع بالاستثمار أو الادخار؛ إلا أن النسبة الكبرى للأسف تعاني الاعتماد المبالغ فيه على الحد الأدنى من بدائل الدخل كالتأمينات الاجتماعية مثلا. نحن نخطط ونمارس كل يوم العديد من السلوكيات المرتبطة بإدارة الدخل والمصاريف وترتيبات السكن والسفر والاستثمار والتقاعد، وأول خطوات تعزيز الثقافة المالية تبدأ تماماً من هذه السلوكيات التي نمارسها. أن نتعلم مما نمارس أفضل وأكثر فاعلية من التعلم الجديد، ومن ينظر إلى ما يملك من ثقافة مالية إيجابية يصنع المزيد منها بسهولة.