الحياة - السعودية القارئ لكتب السُنة يقف جلياً على تفصيل رسول الله صلى الله عليه وسلم لكثير مما سيقع بين يدي الساعة من الفتن، لا لإشباع غريزة الفضول، وإنما لرسم منهج صحيح لموقف المؤمن منها، لأن الفتنة إذا وقعت أذهبت عقول الرجال، ولا تكاد تجد فيها رجلاً حليماً، ولأن الفتنة تضرّ بدين المرء، فتنقصه أو تذهبه. وأخرج البخاري في صحيحه من حديث حذيفة: «لقد خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم خطبة ما ترك فيها شيئاً إلى قيام الساعة إلا ذكره، علمه من علمه، وجهله من جهله، إن كنت لأرى الشيء قد نسيت فأعرفه كما يعرف الرجل الرجل إذا غاب عنه فرآه فعرفه». وعند الإمام أحمد في المسند من حديث عمرو بن أخطب الأنصاري قال: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن، فأعلمنا أحفظنا». واليوم ما زلنا نسترجع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير مما يقع، حين أضحينا في فتن يُصلي شَرارها كلمات سريعة الانتشار عبر وسائل التواصل، يغيب فيها العقل والحكمة، ويظهر التسرع والاندفاع، فالكل يريد أن يتحدث حتى لو لم يكن عالماً، وقديماً قيل: الحكم على الشيء فرع عن تصوره، والبعض يسارع في نشر ما يصل إليه دون تثبت أو تبيّن، وكأنه لم يقرأ قول الله تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا). إن كلمة عابرة وفلتة لسان، قد تجر من العواقب على الشخص ذاته، وعلى جماعته كلها ما لا يخطر له ببال، وما لا يتدارك بعد وقوعه بحال! ولذا جاء المنهج الرباني الذي يجعل للعبد تميزاً في رواية الأخبار وإحالتها إلى أهل العلم والاختصاص، وإلا كان في إذاعتها متبعاً للشيطان. وفي الفتنة يزداد يقين المؤمن بخطر الكلمة التي يقولها أو ينشرها، وفي سنن أبي داود والترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها ستكون فتنة تستنظف العرب، قتلاها في النار، اللسان فيها أشد من وقع السيف» وفي أبي داود أيضاً: «سَتَكُونُ فِتْنَةٌ صَمَّاءُ بَكْمَاءُ عَمْيَاءُ، اَللِّسَانُ فِيهَا كَوَقْعِ اَلسَّيْفِ»، يقول صاحب تحفة الأحوذي: «أشد من السيف» أي وقع السيف كما في رواية، لأن السيف إذا ضُرب به أثَّر في واحد، واللسان تضرب به في تلك الحالة ألف نسَمة». إن المنتظر اليوم من وزارات الشؤون الإسلامية والإعلام والتربية والتعليم والتعليم العالي أن تتبنى مشروعاً لرسم منهج المؤمن من الفتن في ضوء القرآن والسُنة، حتى لا نكون ضحايا الفتنة، مع أن شريعتنا غنية بنصوص ترسم منهجاً صحيحاً فيها.