مكة أون لاين - السعودية كنت أتوقع -إن لم أكن أميل إلى الجزم- أن تداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصاً تويتر، خبر سحب كتب سلمان العودة وطارق السويدان من المكتبات، خبر عار عن الصحة تماماً. فالعلة التي اقترن بها الخبر هي نسبة هذه الكتب وصاحبيها إلى جماعة الإخوان المسلمين؛ وهذه علة أوسع من أن تنحصر في شخصين. ثم إن الخبر محتقن بدلالة الصراع والتشاتم والتنابذ والتشفي بين التيارات الفكرية، وهذا واقع معتاد وقديم حتى أصبح من مقتضياته الكيد المتبادل لبعضها بعضاً بما فيه سحب الكتب وإشاعة أخبار من هذا القبيل في معنى «الانتصار» لفريق و»الضحية» لآخر. وعلى رغم ما قد تحمله دلالة سحب الكتب من تجريم لأصحابها وناشريها والتيارات الفكرية التي تحيل عليها، فقد عودنا سوق الكتاب وخريطة توزيعه أن الكتب الممنوعة أكثر ذيوعاً وانتشاراً وأن البحث عنها وقراءتها يتجاوز بسبب منعها ذوي الاهتمام إلى عموم الناس؛ ولذلك فإن إشاعة المنع لكتاب أو مصادرته قد لا يكون خبراً سيئاً لمؤلفه! وهنا يلتقي الخصوم والأنصار في توهم الإفادة من إشاعة المنع تناقلاً لخبره، واختلاقاً له أحياناً. وقد جاء إسناد خبر سحب كتب العودة والسويدان إلى جهة رسمية سبباً رابعاً لنشكك في صحته؛ ذلك أن الجهات الرسمية أرسخ من أن يهزها كتاب وأبعد من أن يغيب عنها أن دحض الأفكار لا يكون إلا بالأفكار. لكن مسافة التشكك لم تطل، فقد نشرت جريدة «الحياة» يوم الاثنين الماضي، عن مراسلها في جدة، تقريراً يحيل الشك إلى يقين. وهو يقين قصد التقرير إلى الدلالة عليه بما يشير إلى أن حالة التشكك والاسترابة كانت شعورا شائعاً، حين ابتدأ هكذا: «تأكدت الحياة أمس الأحد من صدور وتنفيذ قرار جهات سعودية بمنع تداول كتب الداعيين السعودي سلمان العودة والكويتي طارق السويدان». ولم يكن الخبر في حاجة إلى «تأكد» لولا أنه يحمل ما يشكك فيه وما يستدعي نفيه على نطاق واسع. ثم ذهب التقرير إلى التدليل على اليقين والإثبات، بمقابلة أحد مديري مكتبة جرير مذكورا باسمه، وهو يقول: «ورد إلى المكتبة تعميم من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتضمن سحب مؤلفات العودة والسويدان فوراً». ومن غير شك فإن من اتخذ قرار سحب هذه الكتب قد تصور خطرها بمعنى أو بآخر؛ فهو يعتقد أنه بسحبها يقي الفكر والثقافة من شرها. ولن نجادله في اعتقاده بخطورة هذه الكتب، ولكننا نجادله في قراره سحبها؛ ذلك أن الفكر الذي تصل حمايته إلى الوصاية عليه فيما يقرأ وما لا يقرأ، هو الفكر الأكثر خطورة على نفسه ومن حوله من أي خطورة أخرى متصورة. وإذا أردنا أن نختبر صحة هذه الفرضية؛ فلنراجع الفكر السائد في الجماعات الأصولية التي أصبحت مفرخة للإرهاب والعنف: أليست جماعات شديدة الوصاية على فكر أبنائها؟! إن الفكر الذي يقوى به المجتمع ويأمن هو فكر أخلاقي وفكر مسؤول، وهو لذلك فكر حر بأتم ما تكون الحرية، وأصدق ما تدل. [email protected]