المصري اليوم - القاهرة 1- يؤيد أبي المشير السيسي بشدة، يراه الشخص المناسب في المكان والزمان المناسبين، يؤمن بقدرته على إصلاح الاقتصاد وإعادة الأمن وجذب السياح والقضاء على الإرهاب، ولا يتفهم خوفي من إمكانية تحوله إلى ديكتاتور في ظل خضوع كل أجهزة الدولة له وانبطاح غالبية قوى المعارضة أمامه، وفي نهاية النقاش يطلب مني أن أخاف على نفسي وأولادي وأخفف من لهجة انتقادي للسيسي. يعرف أبي أن السيسي ديكتاتور محتمل لكنه يرحب بذلك ما دام الأمر لا يطول أسرته وأبناءه، يهتم فعلا بانتهاء الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي تعرقل الاستقرار، لكنه يقتنع بأن الاستقرار سيأتي على نحو أسرع إذا حكمنا «دكر» يخشاه معارضوه فيلزمون بيوتهم ويخفضون أصواتهم ويتخلون عن مطالبهم. أفهم أبي لكنه لا يفهمني، يرغب مثلي في العيش الكريم لكن ليس على طريقتي، وأرغب مثله في الاستقرار لكن ليس على طريقته. 2- لفترة طويلة كنت أظن أن كلمة ديكتاتور مخيفة، وأن الاستبداد تهمة يجب أن ينفيها المرشح عن نفسه، لكن اتضح أنها باتت ميزة يحاول المرشح أن يثبتها على نفسه ليكسب أصوات أكبر عدد ممكن من المصريين الراغبين في إخفاء الآخر المختلف. بدأ الأمر في انتخابات الرئاسة الماضية، كان هناك أكثر من مرشح إصلاحي يتبنون خطابًا رصينًا ويرددون كلاما من نوعية دولة القانون والحريات وحقوق الإنسان، ويوم الاقتراع اختارت الغالبية المرشحين الأكثر تطرفا في مواجهة خصومهما ليخوضا معا انتخابات الإعادة. كان مرسي حادًا وهو يؤكد أنه سيقضي على الفلول تمامًا، وكان شفيق أكثر حدة في معاداته للثورة وتأكيده على أن المظاهرات والمعارضة ستختفي في عهده، وعندما فاز مرسي هرب منافسه إلى الإمارات لأنه أدرك خطورة البقاء مع عدو منتصر. دارت الأيام وترك مرسي السلطة مجبرًا ومحاصرًا بعاصفة من اللوم من أنصاره، لا لفشله في إدارة الدولة واحتواء المعارضة، لكن لأنه كان حليما أكثر من اللازم ولم يسحق خصومه قبل أن يسحقوه. والآن يؤيد الملايين المشير السيسي لأنه يقول: «لن يكون هناك إخوان في عهدي»، لم يسأله أحدهم: كيف سيُخفي مئات الآلاف من الوجود في 4 سنوات، يعرفون أنه لا سبيل لذلك إلا القتل أو القمع، ويقبلون. 3- «مفيش حاجة اسمها قيادة دينية تبقى موجودة، لأن المفروض إن رئيس الدولة مسؤول عن كل حاجة فيها حتى دينها، عشان كده أنا لما اتكلمت في البداية خالص وأنا بقدم نفسى للناس بقولهم شوفوا أنا مين واعرفوا أنا مين عشان انتوا هتختاروا، أنا مسؤول عن القيم والمبادئ والأخلاق والدين». قالها عبدالفتاح السيسي في حواره مع «سكاي نيوز» وهو لا يهتم كثيرًا بشباب الثورة الذين سيُمسكون عليه هذه الجملة ويملأون الدنيا ضجيجًا على صفحات التواصل الاجتماعي، هو يخاطب جمهورًا سيزداد تمسكا به عندما يعرف أنه سيفتش في ديننا ودين أبينا، ويضع لنا قائمة ممنوعات يعاقب من ينتهكها، ويبرئ الأكمه والأبرص في وقت فراغه! نضيّع وقتنا في إقناع مؤيدي السيسي بعدم انتخابه خوفًا من تحوله إلى ديكتاتور، هم يؤيدونه أصلًا لأنهم يريدون ديكتاتورًا، ومن لم يتعلم من دروس السنوات الثلاث الماضية أنه لا مستقبل لنظام لا يستوعب الجميع لن يتعلم أبدًا. 4- ما سبق ليس دعوة لليأس، لكنه دعوة لعدم إهدار الوقت والجهد فيما لا يفيد. معركتنا ليست مع السيسي نفسه بل مع ظهيره الشعبي، هم يؤمنون بقدرة مرشحهم على سحق خصومهم وتنازلوا في مقابل ذلك عن وضع حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية ضمن برنامجه، هم تنازلوا أصلا عن أن يكون له برنامج. سيفشل السيسي في كل ذلك؛ لأن أحدا لم ينجح من قبل في ذلك، وحينها سيكون علينا إقناع مؤيديه السابقين بأن الحل في الكفر بالديكتاتورية لا في البحث عن ديكتاتور آخر ينجح فيما فشل فيه سلفه. ارتضيناها ثورة بيضاء، وعلينا أن ندفع ثمن ذلك.