مال - السعودية النخلة شجرة نظيفة مباركة معطاءة؛ ارتبطت بأرضنا بيئياً، ودينياً، واجتماعياً، واقتصادياً، منذ القدم، ولا تزال تحتفظ بمكانتها الباسقة، فهي إلى يومنا هذا شعار النماء، ورمز العطاء؛ وتعتبر المملكة من أهم الدول التي تهتم بزراعتها، ورعايتها، ولها مكانة خاصة في البنيان الاقتصادي الزراعي السعودي، على مستوى الإنتاج، والاستهلاك، والتسويق؛ ولبلادنا ميزة نسبية في زراعة النخيل، وإنتاج التمور، من ناحية المناخ، وخبرة المزارعين، ونوعية الإنتاج المتعدد والفاخر... وهذا ما انعكس على أن تبوأت مملكتنا المرتبة الثانية عالمياً في إنتاج التمور، وذلك بوصولها إلى ما يقارب 24 مليون نخلة، تنتج حوالي مليون طن سنوياً، وهو ما يمثل 15% من الإنتاج العالمي؛ ولكن المصدر منه لا يجاوز 5% من مجمل الإنتاج وذلك يعود إلى ضعف الجوانب الصناعية للمنتج، وقصور أساليب التسويق عن مسايرة المتطلبات العالمية... ولا يمكن أن تُذكر الزراعة في بلادنا، إلا ويثور الجدل الكبير وماذا عن استهلاك المياه؟ وهذه جدلية قديمة، لها وجاهتها دائما؛ ولكن لا يمكن الركون إليها مطلقا، والتراجع عن زراعة النخيل، لأنه يمثل البعد الاستراتيجي للأمن الغذائي، لبيئتنا الفقيرة. ولذا فإنه لا سبيل إلا بالبحث عن الحلول الإبداعية، وخلقها؛ وهذا الدور منوط أساساً بمراكز البحث الوطنية والتي أسمعتنا جعجعة ولم ترنا طحناً؛ كما أن بعض المختصين يؤكد على أنه يمكن الاعتماد على أنظمة الري الحديثة، في تقليل نسبة استهلاك المياه المستخدمة في سقيا النخيل، بنسبة تتراوح ما بين 40% – 60% ؛ ويمكننا أيضا الاستفادة من أحدث التجارب العالمية، في هذا الصدد، ومنها التجربة الإماراتية الحديثة في زراعة النخيل، باستخدام الماء العادم، بعد معالجته رباعياً... ولا شك في أن الري ليس هو المشكلة الوحيدة التي تعترض النخيل، فالنقل، والتخزين، والتصنيع، والتسويق، تدار كلها بأساليب تقليدية، ولا تقدم ما يتواكب مع ذوقيات المستهلك، وأنماط المعيشة الحديثة، ولا تفي بمتطلبات ومقاييس الأسواق العالمية، والتي أرى فيها فرصاً اقتصادية واعدة، لا تزال شاغرة تنتظر. فهل نقتنص هذه الفرص؟ ونأخذ عمتنا النخلة على محمل الجد، وننطلق بها إلى آفاق اقتصادية رحبة؛ ولن يتم ذلك في نظري بالاعتماد على القطاع الخاص لوحده، بل لا بد من أن تتخذ الدولة خطوات مؤثرة، عن طريق إنشاء شركة مساهمة وطنية، تلم شتات الجهود المتفرقة، تحت مظلة وطنية واحدة، وتنقل هذه الثروة الغالية، نقلة نوعية من المحلية إلى العالمية، وتسهم في إدارتها، ودعمها، ورفع كفاءتها (زراعياً وصناعياً وتسويقياً وتطويريا).