ناقش برنامج الثامنة قبل أسبوعين ""السجينات"" وظروف سجنهن، وتناول أبعاد هذا الموضوع، ما دفعني للعودة للكتابة عن هذا الموضوع المهم الذي سبق أن تناولته من زوايا مختلفة في مقالات سابقة. إنه مؤلم حقاً أن نستمع لبعض الأمهات اللواتي أجبرتهن الظروف القاسية لدخول السجن بعيداً عن أطفالهن، وما تسبب به السجن من تمزيق أسرهن. تتنوع هذه الظروف الاجتماعية والاقتصادية وتتفاوت قسوة من امرأة إلى أخرى. هناك حالات معينة كالطلاق والترمل أو مرض الزوج أو انغماسه في براثن الإدمان، كلها ظروف تقف وراء حاجة ربات البيوت إلى التسول أو الاقتراض! وفي الحقيقة، اطلعت من قرب على حالات مؤلمة تضطر المرأة إلى شراء نفسها ""أي إعادة المهر"" للخلاص من علاقة زوجية فاشلة تضعها تحت وطأة العنف الأسري والابتزاز. وفي بعض الأحيان تجبر النساء العاملات على التورط في قروض ليست لمصلحتهن، بل لمصلحة أب ""ظالم"" أو أخ ""متسلط"" أو زوج ""استغلالي"". يصعب قبول هذا الوضع المؤلم في بلد ينعم بالخيرات، خاصة أن حرمان الأبناء من والدتهم يزيد الأسر تفككاً وفقراً، ويفاقم من معاناة أفرادها الاجتماعية والاقتصادية، خاصة أنها تتولى إعالة الأسرة وتوفير قوتها اليومي. الحلول كثيرة ومتنوعة وليست مستحيلة، إذا توافرت الإرادة والإخلاص! إن وجود الأنظمة التي تحمي المرأة خصوصاً والأسر عموماً من العنف الأسري مطلب يُطالب به المهتمون منذ أمد بعيد، ولكنه يشهد ولادة متعسرة! وفي الوقت نفسه، لا يمكن إعفاء وزارة الشؤون الاجتماعية من واجباتها تجاه هذه الشريحة الاجتماعية، مما يتطلب إجراء دراسات جادة لفهم أسباب هذه المشكلة وإيجاد الحلول المناسبة لها، كتوعية الأسر الفقيرة بمخاطر التورط في الديون، وحمايتها من الوقوع في دائرة الفقر من خلال توفير العون المعنوي، وتقديم التدريب المناسب للحصول على عمل، أو إرشادها ومساعدتها للانضمام إلى برامج الأسر المنتجة. ويُضاف إلى ذلك توسيع فرص التوظيف أمام المرأة للتخفيف من حدة البطالة التي تتجاوز ثلث القوى العاملة النسائية، وحماية المرأة من التحرش في مقار العمل، والحد من الابتزاز من قبل أصحاب العمل ومديري المؤسسات والشركات. ولا تُعفى الجمعيات الخيرية ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى من المسؤولية، خاصة مع وجود عدد لا بأس به من الجمعيات الخيرية التي لا تكاد تخلو منها أي مدينة صغيرة أو كبيرة، ويتجاوز عددها 600 جمعية، مما يتطلب تقييمها وزيادة فاعليتها. في الختام أقول إن العناية بالأم وتوفير سبل الراحة والعيش الكريم لها مطلب وطني، لأنها المدرسة التي تُعد الأجيال وتربي رجال ونساء المستقبل، ينبغي ألا تضعها الحاجة أو العنف الأسري وراء قضبان السجون، فالأم مدرسة إذا أعددتها.. أعددت شعباً طيب الأعراق.