- يوم غدٍ الاثنين؛ هو اليوم الأول في الميزان، اليوم العظيم الذي توحدت فيه بلادنا المتناثرة الأجزاء؛ والمترامية الأطراف، في مملكة واحدة كبيرة وقوية، هي المملكة العربية السعودية. - ذكرى وطنية عالية الهمة، لدولة شامخة القمة، يستشعر معناها ومغزاها، كل رجل وامرأة وشيخ وطفل وكبير وصغير، يعيش على هذا الثرى الطاهر، حتى وهو من غير مواطنيه، فملايين الوافدين من العرب وغير العرب؛ الذين يعيشون جنباً إلى جنب مع إخوانهم السعوديين، أكثر استشعاراً ربما من غيرهم؛ بقيمة أن يكون للإنسان وطن آمن مستقر، يجد فيه حرية مصانة، وحياة كريمة غير مهانة، خاصة في ظل الاضطرابات الأمنية التي تعيشها بلدان كثيرة هنا وهناك. - مهما كتبنا ومهما قلنا عن ذكرى اليوم الوطني، فلن نوفي المؤسس والموحد جلالة الملك عبد العزيز آل سعود طيب الله ثراه حقه. أربعة وثلاثون عاماً قضاها وهو يذرع الجزيرة العربية على رأس جنده، حتى تمكن من جمع الكل في واحد، وهاهي ثلاثة وثمانون عاماً تمر على ذكرى التوحيد، وأبناء هذه البلاد؛ في أمن وأمان ورغد عيش لم يعرفه أحد قبلهم على هذه الأرض، فلله الحمد والمنة من قبل ومن بعد. - إن أس النعمة الأمن، فإذا توطد الأمن، تفرغت الذهنية الآمنة للعلم والعمل والإبداع والإنتاج. أكثر ما يشغل الناس في حياتهم في كل مكان، القضية الأمنية، لأن عدم الأمن معناه، خوف وهلع واضطراب وفوضى لا حدود لها، وفي ظل الأوضاع غير الآمنة في البلدان، تنتشر الجرائم، وتجوع البطون، وتمرض الأمة.. ولهذا كان العرب يقولون: ثلاثة لا يذوقون طعم النوم: الخائف والجائع والبردان. وهذه حقيقة معروفة، يجسدها المصطفى صلى الله عليه وسلم في قوله: (من بات آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها). - إن أعظم وأغلى مكتسب تحقق لهذه البلاد في يوم توحيدها على يد مؤسسها وموحدها- رحمه الله- وحتى يوم الناس هذا؛ هو الأمن، لأن هذا المكتسب العظيم؛ ما جاء من فراغ، ولا تحقق بسهولة، فالأمن الذي عرفته المملكة على مدى ثمانية عقود ونيف من عمرها المديد، جاء بعد خوف وهلع وثارات بين فرقاء يمثلون دويلات متحاربة، وقبائل متناحرة، وعشائر متقاتلة.. من هنا تبرز القيمة الحقيقية؛ أن يكون لابن هذه البلاد التي عرفت كل ذلك في السابق، مكتسب ثمين يعتز به، ويحافظ عليه، وينافح دونه، ويجني ثماره، في بناء إنسانها، وتنمية مكانها، على كل شبر من الوطن الحبيب. - كلما حلت ذكرى اليوم الوطني، تذكرت روايات الأجداد والآباء في مجلس سمرهم. كانوا يصورون لنا كيف كانت الأحوال المعيشية قبل الملك عبد العزيز، وكيف كان اللصوص يسيرون بمحاذاة القوافل وهم يغرزون مواسير في أكياس الحبوب على ظهور الإبل، ليسرقوها دون إثارة انتباه الجَمّالة، وكيف كان السراق كذلك، يراقبون قدور طبخ العشاء، فإذا استوت للآكلين خطفوها من فوق المواقد وهربوا بها، وكيف قتل فلان وعلان، وكيف وكيف .. قصص يشيب من هولها الولدان كما يقولون. - من يشأ منكم معرفة قيمة الأمن الذي يعيشه اليوم، عليه بالجلوس إلى كبار السن الذين شهدوا أو سمعوا ماذا كان يدور في هذه المنطقة أو تلك، من ظلم الحكام، وجبروتهم، وسلبهم للرعية، وسخرهم في صراعات وعداوات لا ناقة لهم فيها ولا جمل. كان الواحد منهم يفرض السخرة على سكان المدن والقرى بالقوة، من أجل تجهيز حملاته العدوانية، وتحقيق نزواته الشيطانية. - الأمن يا سادة ويا سيدات هو قيمة كل القيم الحياتية التي يتمتع بها الناس في أوطانهم، إذ بدونه لا قيمة لوجودهم أصلاً، ولا مجال لأن يفكروا في غير حياتهم المهددة في كل وقت. - نحن مدينون في هذه البلاد، لمؤسس هذه البلاد، وباني وحدتها، ومرسي أمنها الملك عبد العزيز طيب الله ثراه، ومدينون كذلك لأبنائه من بعده الذين نهجوا نهجه في تثبيت قواعد الأمن، وبناء دولة لها كلمة تقولها في الشأن السياسي والاقتصادي على كافة المستويات العربية والإقليمية والدولية، ومن هنا وجب علينا ونحن نحتفل بهذه المناسبة الوطنية العظيمة، أن نتشدد في المسألة الأمنية إلى أبعد حد، فنقف بقوة في وجه التطرف والغلو، ونحد من الغزو الفكري المتلبس بديننا ظلماً وبهتاناً من أجل تفتيت وحدتنا الوطنية، وتجزئة كياننا الواحد، وتصنيف مجتمعنا العربي المسلم، وتقسيمه إلى فئات متنافرة، وأحزاب متحاربة، ومنظمات متضاربة. - إن ما اكتوى به غيرنا من هذه التحزبات المقيتة، والتصنيفات البشعة، يجب أن يكون لنا درسا في معرفة قيمة الأمن الذي نعيشه، وأهمية الوحدة الوطنية التي تجعل لأمننا قيمة معاشة.