في لحظات معينة يكون الطبيب هو أقرب الناس للمريض، أقرب حتى من أقرب الناس إليه. هذا القرب يحتاج للصراحة ضرورة، فأنت أمام شخص متخصص في علم أنت في أمس الحاجة إليه. ولا بد أن تكون كل المعلومات التي تصل إليه عنك صحيحة, بل ودقيقة، أبلغ ما تكون الدقة. إذ على هذه المعلومات يقوم ما يسمى طبياً بالتشخيص العيادي «الإكلينيكي» وهو أهم بكثير وبمراحل من التحاليل وصور الأشعة. إلا أن هناك حديثاً بدأ الناس يتداولونه، بأن اللجان الطبية في بعض مستشفياتنا الحكومية تأخذ في الاعتبار، من ضمن ما تأخذه, عمر المريض وهل هو شابٌ أم شيخ. وكلما ارتفع سن المريض، كلما ازداد احتمال أن ترفض اللجنة الطبية علاجه، أو أن يكون ضمن القطاع الذي يتبع له المستشفى فيضطر المستشفى لعلاجه لكنه (يأخذه على السعة) فتتأخر مواعيده مقارنة بالأصغر سناً، فيؤخر الكبير تأخيراً قد يلحق به الضرر بل قد يودي بحياته. أعلم أن هذا الأمر ليس معلناً ولا مكتوباً, إلا أن الحديث تواتر عنه ولم يعد سرّا. نحن هنا أمام مأزق أخلاقي كبير. إذ ليس من حق أي طبيب في الدنيا أن يقرر من يستحق العلاج ومن لا يستحقه بناء على العمر. فكبار السن هؤلاء هم أمهاتنا وآباؤنا الذين يستحقون منا بعض محاولات في رد الجميل، لا أن يكون لسان حالنا كمن يقول لقد لبثتم من العمر ما يكفيكم. هذا الواقع قد فرض على بعض المرضى أن يكذبوا على الطبيب فلم يعودوا يخبروه بأعمارهم الحقيقية، بل أصبحوا يدعّون أنهم أصغر سناً لكي لا يُرفض علاجهم ولكي لا تتأخر مواعيدهم. لكن هذا كما هو معروف قد يؤدي لكارثة أخرى, ألا وهي أن يصرف الطبيب للمريض علاجاً لا يتناسب مع عمره الحقيقي. بلادنا -بحمد الله- تُخصص ميزانية من أضخم الميزانيات التي تخصص للصحة في كل الكوكب. أتحدث هنا عن مليارات وأرقام فلكية بإمكانها أن تجعل السعوديين يشعرون بالأمان على حياتهم الصحية وحياة ذويهم، إلا أن وزارة الصحة ككثير من الوزارات نالها نصيب من الفساد المالي والإداري، فأصبحت لا تدري أين ينفق هذا المال الغزير، وأصبحت تسمع عن مئات من المستشفيات ستقيمها وزارة الصحة من ميزانية هذا العام، ثم يذهب العام وميزانيته ويأتي عام آخر بميزانية أكبر والمستشفيات الموعودة التي حلم الناس بها في العام الماضي قد رُحلت لهذا العام ولم ينفذ منها شيء. لكي لا أكون مفرطاً في التشاؤم, أقول إنني قمت منذ أيام بزيارة لمستشفى الأمير محمد بن عبدالعزيز الذي تم افتتاحه في الرياض، الشهر الماضي، والحق يقال إنه يمثل بادرة حسنة وخطوة في الاتجاه السليم نحو تحقيق الأمن الصحي، والرياض تستحق مزيداً من المستشفيات وكذا كل مدينة وقرية وهجرة في هذا الوطن. لكن الثناء على هذا المستشفى وتجهيزاته لا بد أن يوضع إلى جواره مواطن الخلل والقصور التي يجب على وزارة الصحة سدّها وإصلاحها بصورة تليق بمواطني المملكة العربية السعودية.