عندما زار الرحالة اللبناني الشهير أمين الريحاني مدينة عنيزة في عام 1341 هجرية، ضمن تجوله الطويل في معظم أنحاء شبه الجزيرة العربية، أطلق عليها اسم ""باريس نجد"". وكان ذلك تعبيراً عن إعجابه بأهلها وموقعها المتميز بين الجبال السُّمُر والرمال الحمراء وكثرة بساتينها التي تُحيط بها إحاطة السُّوار بالمعصم. ووجد في أهلها من الخُلُق الطيب وحسن المَعشر والانفتاح وترحيبهم بالغريب ما لم يشاهده في معظم المناطق التي كان قد زارها قبل مروره بعنيزة. وعنيزة مشهورة بين مدن نجد في عصرها الحديث بعلمائها في مختلف العلوم، الدينية والطبيعية والطبية والأدب، ما لم يتوافر لكثير من المدن. وهذه النبذة القصيرة عن عنيزة ليست موضوع حديثنا في هذا المقال، لكنها مُقَدّمة بسيطة لا بُدَّ منها. فموضوعنا الرئيس هو عن مجلة ""باريس نجد"" التي قدر الله أن توقفت عن الصدور منذ بضع سنوات، وكانت النتيجة أن القرَّاء حُرِموا قراءة موادها التثقيفية والتراثية الماتعة. وكان أملنا آنذاك أن يكون وقف إصدارها لمدة مؤقتة ومحدودة، ولكن المدة طالت، وطال معها انتظارنا دون أن نرى في الأفق ما يبشر بقرب عودة هذه المطبوعة المتميزة التي هي فخر، ليس فقط لأهل عنيزة، بل لأهل منطقة القصيم كافة، لما تحويه من المعلومات والتحقيقات وفنون الثقافة في هذا العهد الزاهر. ومن المؤكد أن مجلة ""باريس نجد""، لو قُدِّر لها أن تعود إلى سابق عهدها، لتوسعت في تغطيتها وتحقيقاتها و""ريبورتاجاتها "" إلى أكثر المواقع والمدن في منطقة القصيم الواسعة، وهو ما نأمل أن يكون. كانت مجلة ""باريس نجد"" الفتية، خلال السنوات القليلة التي ازدهرت خلالها، قد نافست أعرق المطبوعات إخراجاً وإبداعًا وطباعة. وكانت تحمل بين طياتها ثقافة وعِلمًا وتعبيرًا وإعلامًا كنا في أمس الحاجة إليها، في منطقة تكاد تكون خالية من الصحف والمجلات بأنواعها وأشكالها، ونحن نعيش عصر النهضة والعلم والمعرفة. وكانت تُخصِّص الكثير من الصفحات للتعريف بالشخصيات البارزة في المنطقة والمقابلات التي كانت تُسلط الضوء على جوانب مهمة من حياة الأفراد الذين كانت لهم بصمات مؤثرة ومساهمات متميزة على مستوى الوطن ككل والقصيم بصفة خاصة. ومن أجمل ما نشرت المجلة ""ريبورتاج "" متكامل في 43 صفحة من المجلة، عن الرجل الذي ترك بصمة على تاريخ المملكة العربية السعودية كأقرب وأوفى إنسان للملك عبد العزيز - رحمهما الله، وهو عبد الله السليمان الحمدان، أو كما كان يُعرف بالوزير. وكان في زمانه فعلاً هو الوزير الوحيد في الحكومة. وكان يشغل مركز أول وزير للمالية في بداية نشأة هذا الكيان المبارك. وكانت للشيخ عبد الله السليمان مكانة خاصة ومتميزة عند الملك عبد العزيز الذي وضع كل ثقته فيه. وعلى الرغم من أن أعداد المجلة التي في حوزتي لا تتعدى أصابع اليدين، إلا أني أتشوق لإعادة تصفحها وقراءة بعض مواضيعها، فأجد دائمًا في قديمها جديدًا. ونود، من هذا المنبر، أن نتقدم إلى الحبيب المحبوب، أميرنا فيصل بن بندر بن عبد العزيز، أمير منطقة القصيم برجاء أن يتفضل بالنظر في موضوع إعادة بعث مجلة ""باريس نجد"" إلى الحياة، وذلك بما عُرِف عنه - حفظه الله - من تشجيع وترويج للوسائل الثقافية بين أفراد المجتمع، وهو نفسه المثقف والمخلص القريب من أفراد مجتمعه. وإذا كان الأمر يتطلب موافقة جهات رقابية أخرى أن يبذل سموه الكريم وساطته المباركة من أجل إنهاء مدة وقف النشر. ولا نشك إطلاقًا في أن القائمين عليها قد تعلموا الدرس، وهم الآن أكثر نضجًا ومعرفة بقواعد النشر. كما نُحبُّ أن نطلب من محافظ عنيزة الشاب الفاضل فهد حمد السليم والنخبة من أهل عنيزة المقيمين فيها أن يؤيدوا هذا الطلب ويؤازروا جهودنا في هذا المضمار، لما لهم من المكانة المرموقة لدى الأمير فيصل بن بندر – حفظه الله - والمسؤولين عن الصحافة والنشر. وليس بالضرورة أن تعود المجلة تحت اسمها القديم، إذا كان هناك من يرون غير ذلك. فهناك أكثر من عنوان مناسب، ك ""فيحاء القصيم""، و""منبع السكري""، و""أرض الغضاء""!