د. حمزة بن محمد السالم - الجزيرة السعودية الجاسوسية على مستوى الشبكات، تنتشر في حالات التجهيز والاستعداد لإعلان حرب أو عند وجود الحرب القائمة أو الباردة بين الدول. وفي ضوء المعطيات والتحالفات السياسية الحالية، فبلادنا بعيدة - على ما أعتقد- عن هذا الوضع. وبما أن الشبكات التجسسية هي حرب أو بداية نذير إعلان حرب، فما الذي يحمل بلداً ما على التورّط معنا في مثل هذا؟ فالخلافات التي بيننا وبين بعض الدول الأخرى، هي خلافات طبيعية لا ترقى إلى مستوى الحرب. ولذا ففي اعتقادي، أن من وراء هذه الشبكة الجاسوسية يراهن - خاسراً خاسئاً محسوراً بإذن الله- على قيام مسيرات فوضوية واعتصامات في بلادنا تجلب معها حتماً الفوضى والانهيار الأمني والسياسي والاقتصادي لبلادنا. فالدولة العدوة التي كانت وراء هذه الشبكات التجسسية، تريد ضمان إذكاء روح الفتنة والفرقة عند قيام مثل هذه المسيرات والاعتصامات التي يراهنون عليها، عن طريق تجهيز الخطط المبنية على المعلومات المحلية لترسل كلابها وجلاديها مزوَّدة بها إلى ديارنا عند قيام أي فتنة -لا سمح الله - لنشر الخوف والدم والتخريب تحت غطاء الفوضى، فيسهل عليهم السيطرة والهيمنة على ديارنا وقد أصبحت كأفغانستان والصومال. بلادنا ليست كمصر وليبيا وسوريا. فكل دولة من هذه الدول دولة واحدة مهما اختلف أهلها بينهم بعد تغيير الأنظمة، وقد كانت تعاني من الظلم والفقر. وأما بلادنا فقد كانت قبائل وإمارات فقيرة متنازعة، فتوحَّدت في بلد واحد فأمنت واغتنت فهي في رغد من العيش أبداً ودائماً بإذن الله، تحت وحدة المملكة العربية السعودية. الوحدة تحت راية واحدة، نعمة من أعظم النعم. والقائد المُوحّد قائد عظيم، بشاهد أن نبينا عليه السلام هو أعظم من وحَّد راية الفرقاء، وصدق الله {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء}. والوحدة لا تأتي إلا بمخاض عسير، حتى إذا وُلدت فلا تخلو من مرض ووهن حتى يستقيم عودها وتقوى شوكتها. ولا يشعر كثير من الناس بنعمة وحدة المملكة العربية السعودية. وما ذلك إلا لأن وحدة بلادنا - قياساً على الأمم من غيرنا- لم تقم على كثير دماء ودمار، وهي على حداثة عهدها بالوحدة، إلا أنها قطعت شوطاً كبيراً في العدالة والمساواة. وهذه أمريكا لم تتحقق وحدتها حقاً إلا بعد الحرب الأهلية الدموية المدمرة للجنوب، وقد تسلط الشماليون على الجنوبيين بعد انتصارهم في الحرب. ولم تتحقق العدالة والأمان بعد وحدتهم إلا بعد دهر من الزمن. إن اكتشاف هذه الشبكة التجسسية لهو موعظة بليغة لمن يميل قلبه لزخرف القول فيلقي سمعه لمن يدّعي الإصلاح أو الاحتساب بالتأليب العام. والتأليب العام يشحن القلوب، فيسهل نشر الفوضى عند المسيرات والاعتصامات التي استعد لها العدو المتربص - الذي أسس هذه الشبكة التجسسية- فيدس عملاءه من أجل أن يجعل من فوضى المسيرات والاعتصامات دماراً دموياً شاملاً لبلادنا. بلادنا كانت تعيش فترة ما بعد الوحدة، وهي اليوم تسير سيراً حثيثاً في طريق الإصلاح والعدالة. ولا حياة ولا إصلاح بغير وطن، ولا وطن لنا نحن السعوديين بغير الوحدة تحت راية المملكة العربية السعودية، ولا وحدة لنا مع أي فوضى قد تحدث بقصد أو بغير قصد وقد تربص بنا العدو البعيد والحاسد القريب. قد يقع ظلم أو أثرة على أحد منا، بحق أو توهم، فمن أحس بشيء من ذلك فليصبر كما صبر الأنصار وقد وجدوا في أنفسهم من أثرة قريش والعرب عليهم، وسيوفهم تقطر دماً منهم. وعزة المرء في دياره، وقد اختزل الشاعر الصبر على الأوطان فلا عزة إلا بها إن حلّ بها أو إن رحل عنها في قوله (بتصرّف): بلادي وإن جارت عليّ عزيزة ولو أنّني أعرى بها وأجوع ولي كف ضرغام أصول ببطشها وأشري بها بين الورى وأبيع تظلُّ ملوك الأرض تلثم ظهرها وفي بطنها للمجدبين ربيع أأجعلها تحت الثرى ثم أبتغى خلاصا لها؟ إني إذن لوضيع وما أنا إلاّ المسك في كلِّ بلدة أضوع وأما بدونها فأضيع