في الآونة الأخيرة، انتقلت عملية المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات من العالم الخارجي إلى الدول العربية والإسلامية، بشكل لافت وغير مسبوق؛ تحت مظلة المطالبات بالحقوق وحل المشكلات الداخلية، هذه المظاهرات لا تخلو من مسالك العنف، والتشويش، والخلافات، والنزاعات، وتفريق الكلمة، وهذه لعمري مسالك الخوارج الذين ينكرون المنكر بالسلاح، وينكرون الأمور التي يرونها بأفقهم الضيق، وتخالف معتقداتهم، بالقتال، وبسفك الدماء، وتكفير الناس. هذه المظاهرات التي انتقلت وسرت في العالم الإسلامي سريان النار في الهشيم، كمرض الطاعون، ساهمت في التخريب وبث الفوضى والذعر في المجتمعات الآمنة، فيها الاعتداء على الأعراض والممتلكات، وتفريق الكلمة، وتمزيق الجسد الواحد، هذا الأسلوب الفوضوي في التعبير عن الاحتجاجات والمطالبة بالحقوق؛ يبتعد كليًّا عن الأسلوب الإسلامي الصحيح والصريح، في إنكار المنكر والأمر بالمعروف والدعوة له، ذلك أنه من المسلّمات العقدية في ديننا الحنيف؛ أن طلب الأمن مقدم على طلب الغذاء، لأن الخائف لا يتلذذ بالغذاء، ولا يهنأ بالنوم، ولا يطمئن في مكان. وفي خضم هذه المظاهرات، نشاهد الانفلات الأمني واضطراب الأحوال وتخريب الممتلكات والقتل والفوضى العارمة التي تبث الخوف والذعر في النفوس، وقل ما يخرج أصحاب هذه المظاهرات والاعتصامات والمسيرات، بنتائج محققة لآمالهم المنشودة، دونما خراب ودمار وسفك دماء تطال بلادهم، هذا بشكل عام، وإذا ما نظرنا إلى حالة بلادنا، فإننا نجد سياسة الأبواب المفتوحة؛ هي ما يميزنا عن غيرنا، لك أن تشاهد الجموع الغفيرة التي تستقبلها قيادتنا الرشيدة في كل أسبوع وفي كل حين في مشهد نادر غير مألوف عند غيرنا، وهو ما تتميز به مملكتنا الغالية. نحمد الله ونثني عليه أن قادة هذه البلاد تطبّق شرع الله القائم على العدل والمساواة، إيمانًا منهم، بأن الشريعة السمحة كفيلة بتحقيق جميع المطالب وتحقيق العدل والمساواة، ولا يعني وجود بعض التقصير في الجوانب الحقوقية والخدمية؛ يكون سببًا لكيل الاتهامات، وتأليب الرأي العام، فمجتمعنا ليس مجتمعًا ملائكيًّا، خاليًا من المشكلات والتقصير، إذ الكمال للخالق جل شأنه، وعزاؤنا أن أبواب القيادة والمسؤولين مفتوحة، ووسائل الاتصال المختلفة متاحة للجميع. لقد أحسنت وزارة الداخلية، عندما أصدرت بيانًا تمنع فيه منعًا باتًا كافة أنواع وأشكال المظاهرات والمسيرات والاعتصامات، والدعوة لها، أيًّا كان هدفها، لتعارضها مع تعاليم وأخلاق الشريعة الإسلامية، وقيم وأعراف المجتمع السعودي الآمن، وسعادتنا ببيان هيئة كبار العلماء الذي حذر من مغبة عاقبة هذه المظاهرات، وبيّن موقف الشريعة الرافض لها، بسبب ما تؤول إليه من خراب وفساد وتمزيق للكلمة، والله جل شأنه يدعو للاعتصام ونبذ دواعي الفرقة، وهذه المظاهرات من أشد ما يؤدي لذلك، والمؤمن الفطن من اعتبر بغيره، لا من اعتبر به، وفي هذا الوقت الذي انتشرت فيه آفة المظاهرات حولنا يمنة ويسرة، حري بأطياف وشرائح المجتمع، الالتفاف حول القيادة والاستماع لدعوة هيئة كبار العلماء، درءًا للمخاطر وتفويت الفرصة على المتربصين، الذين يجدون في هذه المظاهرات ما يحقق آمالهم المريضة، لقد حذر من تبعات هذه المظاهرات جمع غفير من علماء هذه البلاد المعتبرين: كالشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين، والشيخ ابن غصون، وقبلهم الشيخ ابن سعدي -رحمهم الله جميعًا- حتى جاء بيان هيئة كبار العلماء الأخير تتويجًا وتأكيدًا على هذا المبدأ، الذين أجمعوا على أن ديننا، دين نظام وهدوء وسكينة، لا دين فوضى ولا تشويش ولا إثارة فتن، وأن الحقوق يتوصل إليها بالمطالبة الشرعية والطرق الشرعية، أمّا مسالك التشويش والخلافات والنزاعات وتفريق الكلمة؛ هذه أمور شيطانية لا تأتي بخير.. ولعلي هنا أسوق مثالاً، يحتذى به، الخليفة العباسي المأمون قتل جمعًا من العلماء الذين لم يقولوا بقوله في فتنة خلق القرآن المعروفة والتي أجبر الناس على القول والاعتقاد بها، حتى جلد الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة والجماعة، ولم يقم الإمام أحمد وغيره من الأئمة بدعوة اعتصام في أي مسجد، ولم يسمع أنهم كانوا ينشرون معايب الخليفة من أجل الحقد عليه وكرهه، وهذه المظاهرات لعمري، إن لم يكن خلفها أصابع خفية داخلية أو خارجية تحاول إذكاء نارها وتأجيجها؛ فهي على الأقل فرصة ثمينة لتدخل الأعداء المتربصين في الشؤون الداخلية، لإشعال نار الفتنة وتمزيق اللُّحمة الوطنية. وأعتقد أن الوقت قد حان أكثر ممّا مضى، بأن تقوم وسائل الإعلام المختلفة بأدوارها الوطنية، وتتبنى العلماء المعتبرين، لا أنصاف العلماء، وتدعوهم للمساهمة في برامجها الدعوية والتوجيهية، بجانب الجهات الأمنية، وهنا صنفان طالما حذرت منهما، ما فتئا يبثان السم في العسل، تحت ستار الإصلاح حينًا، والدعوة إلى الله حينًا آخر، أحدهما يسلك مسالك الخوارج، عانى المجتمع من تشددهم وضيق أفقهم، يريدون مجتمعًا مثاليًَا لم يخلق بعد!، والآخر؛ تشدق بالحضارة الغربية وطالب بتقمصها دون تمحيص، تفوح أقلامهم حقدًا على هوية هذه البلاد، لا يسرهم الانتساب للعروبة والإسلام، هجموا على عادات وتقاليد هذا المجتمع، الثرثارون منهم يبثون سمومهم من أوكارهم خارج البلاد، القاسم المشترك بينهم؛ التبعية غير المنضبطة للغرب، ولو دخلوا جحر ضب لدخلوه! [email protected]