عامان وثلاث دول: أولا احتفلت تونس لأنها كانت الأولى، ثم مصر، ثم ليبيا. وليس هناك الكثير مما يُحتفل به. لكن الدول، مثل الأفراد، تتذكر مواعيد ولادتها، سواء في بؤس أو في فرح. إنه تاريخ لا يمحى إلا بتاريخ آخر. يقال لنا دائما إن الثورات تأخذ وقتا طويلا قبل أن تستقر، كأننا في القرن الثامن عشر أو العشرين الروسي. لكن قبل عقدين تغير الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية، فلماذا دخلوا فورا في الهدوء والدولة؟ لماذا لم يصل عندنا رجل توافقي تسامحي مثل فاكلاف هافل؟ لماذا لم تبلغنا الوحدة مثل ألمانيا؟ لماذا لم نزدهر مثل بولندا؟ نزل الشبان العرب يطلبون الحرية، فعلى ماذا حصلوا في مصر وتونس وليبيا؟ يوم تنحى مبارك قيل: سقط الفرعون الأخير. ويوم فاز مرسي قيل: إن الله اختاره وليس الشعب، وإنه معصوم لا يُطعن على قراراته. خرج الحزب الحاكم ليدخل حزب الحكم. وفي تونس، خرجت العائلة الصغرى لتدخل العائلة الكبرى. وفي اليمن يرفض تبلغ مذكرة الخروج. وفي ليبيا.. مسكينة ليبيا، لم تهنأ إلى الآن بثمار السقوط. أسماء تظهر ثم تغيب. وميليشيات ظهرت ولا تغيب. هل نحن جنس مضاد للديمقراطية، محصن ضد الاستقرار، ملقح ضد النمو؟ ترك النظام الشيوعي في روسيا وأوروبا الشرقية مؤسسات قادرة على أن ترث نفسها مع التغيير الجوهري. أي مؤسسات ترك القذافي وعائلته؟ ولماذا رأينا بلدا متحضرا مثل تونس يتخلخل فور تحرره من نظام مدى الحياة؟ ولماذا كان «الإخوان» في مصر ناجحين في المعارضة، فإذا الاقتصاد ينهار بين أيديهم؟ لماذا استعجل الرئيس مرسي في إبعاد رجل في خبرة كمال الجنزوري وفي تعيين رجل في خبرة هشام قنديل؟ ما هي أسس الصرف وما هي موجبات التكليف؟ ولماذا العودة إلى الجنزوري بعد تجربة غير ضرورية؟ ما أسباب كل ذلك؟ المزاج العربي. الطبع العربي. سهولة نفي المسؤولية عند العرب؟ الاتكال على أنه لا وجود لثقافة الحساب في النفس العربية؟ عام 2005 كتبت الصحافية الأميركية ماري كولفن التي قُتلت في سوريا، كتبت من مصر يوم إعادة انتخاب حسني مبارك مرة أخرى بعد 24 عاما، أن الناس تشتم رائحة «ربيع عربي». عددت الأسباب، وبينها، أو أهمها، جمال مبارك. لماذا لم ترَ مراسلة أجنبية قبل أكثر من 7 سنوات ما عجزت مؤسسات مصر عن رؤيته؟ بلى. رآه الجميع، لكن أحدا لم يجرؤ على مصارحة سوزان وحسني مبارك. من الذي صنع 25 يناير، وأطاح بالنظام؟ مدلل يدعى جمال مبارك. ماذا حدث لأباطرة روما من قبل؟ القادم الجديد لا يختلف عن الذاهب القديم. وأول ما يجلس على الكرسي ينسى أنه قبل يوم واحد كان بشرا.