في هذا الشهر سيدخل نظام التنفيذ حيز النفاذ بعد مرور ستة أشهرمن تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، وبالتالي أصبحت نصوصه القانونية لها قوة التشريع وإلزامية التطبيق من قبل كافة المؤسسات المنوط بها تنفيذ ذلك القانون بما فيها المؤسسة القضائية. ونظام التنفيذ -وكما كتبت في هذا المكان وقت إقراره- يعد نقلة نوعية في التشريعات القانونية المحلية؛ حيث أدخل على النظام القضائي جملة من القواعد والأحكام القانونية المتطورة والجديدة سد بها الكثير من الفراغ التشريعي الذي كانت تعاني منه البنية التشريعية والقضائية في المملكة، حيث كانت كافة المنازعات تستوجب المرور من خلال الدورة القضائية التقليدية حتى وإن كان موضوعها سنداً أو عقداً موثقاً يحدد قيمة الحق ومبلغ الدين المدعى به، فلم تكن للسندات والوثائق حجية بذاتها ما لم يصدر بها حكم قضائي من قاضي الموضوع الذي عادة ما يستغرق أوقاتاً مديدة تدور بها الدعوى بين المحاكم بدرجاتها المختلفة ثم تبتدئ دورة جديدة عند اكتساب الحكم القطعية من خلال سلسلة من الإجراءات تستوجب لياقة ونفساً طويلاً حتى يمكن لصاحب الحق أن يستوفي حقه، أما في ظل نصوص نظام التنفيذ الجديد فقد اختلف الأمر ولتبسيط فكرة الاختلاف بين الحالتين؛ ما قبل وما بعد سريان النظام لنفترض أن شخصاً أقرض أو باع لآخر سلعة بثمن مؤجل وأخذ سنداً لأمر أو كمبيالة ضماناً لدينه، فإنه لو قرر المدين أن يسلك طريق المماطلة ويعتنق نظرية (يا ليل ما طولك) فإنه وفقاً للإجراءات المتبعة قبل نظام التنفيذ فإنه يتعين للدائن من أجل أن يستوفي حقه أن يتقدم بتلك السندات التي تؤيد حقه (سند لأمر أو كمبيالة) إلى القاضي الذي بدوره يقوم باستدعاء المدعي عليه عدة مرات وبطبيعة الحال وبما أن المدين من فئة (المماطلون في الأرض) فسيعتذر بأن لديه دورة تدريبية في رأس أبوقميص أو أنه كان يعاني من التهاب في المثانى، وهكذا تتعاقب الجلسات خلف الجلسات إلى أن يصدر القاضي حكمه بإلزام المدين بالدين، ثم ترفع للتمييز والتي بدورها قد تكتشف بعض الأخطاء الإجرائية فتعيدها إلى القاضي فيعدل تلك الإجراءات وفق ملاحظات التمييز ويعيد رفعها من جديد، ولك أن تتخيل الأوقات الممتدة لتلك الدورة القضائية من أجل تحصيل دين ثابت بورقة تجارية أعطاها المشرع حجية خاصة، وبعد انتهاء تلك الدورة القضائية يدخل المدعي في دورة جديدة أمام جهات التنفيذ التي لا تقل تعقيداً في إجراءاتها من سابقتها، أما مع نصوص نظام التنفيذ الجديد فقد جاء بفكرة (سندات التنفيذ) التي لا تحتاج في تحصيها لأن تدخل في تلك الدوائر القضائية بل أعطاها المشرع حجية وقوة بذاتها؛ فبمجرد تقديم السند إلى قاضي التنفيذ يبدأ القاضي في إجراءات تنفيذمثله في ذلك مثل الحكم القضائي وبالتالي اختصر أخونا صاحب الكمبيالة في المثال السابق كل الإجراءات القضائية وقطع الطريق على المماطل فلم تعد قصة دورة راس أبوقميص تنجيه من الملاحقة لدفع ما في ذمته لأن القانون منح قاضي التنفيذ سلطات واسعة في ملاحقته بل إن هناك نصوصا جنائية صارمة لمن ثبت أنه يتعمد تعطيل التنفيذ أو تقصد المماطلة. بطبيعة الحال ليست سندات التنفيذ هي الأحكام الوحيدة الرائعة في النظام لكني أعتقد أنها الأحكام المهمة التي لها مساس مباشر بفكرة العدالة الناجزة التي يتأملها الناس فهم لا يريدون عدالة بطيئة لأنهم يعلمون أن العدالة البطيئة ظلم لذا فإن من المهم أن تنشر أحكام هذا النظام للناس مبسطة حتى يكيفوا تعاملاتهم مع أحكامه وهو دور وزارة العدل الذي يفترض أن تدشن حملة توعوية بهذا النظام حتى يؤتى أكله في إصلاح إجراءات التقاضي والأهم من ذلك كله أن ينطلق تنفيذ النظام بجدية وصرامة وفق مبدأ المساواة أمام القانون فلا كبير يتسور نصوصه ولا استثناءات تمنح لطبقة من البشر والأهم: لا اجتهادات تعصف بمقاصده التي شرع من أجل تحقيقها لأنه عندها سنرتد إلى منطقة الصفر.